إنه أحد بذور الصحوة المباركة الذين قاوموا الأعراف الخاطئة، فقامت قيامة العوام تدافع عن أعرافها، وتجادل في سبيل الحفاظ على موروثها، فأجلبت على شيخنا بخيلها ورجلها، وقاومت بحدها وحديدها، فصاحوا به من كل جانب، وأضرموا عليه الأجواء ضجيجا واحتجاجا، ليحولوا بينه وبين دعوته، لكن لباقة شيخ الوعاظ جعلته يصمد أمام الذين رموه عن قوس واحدة، وكيف لا يكون الأمر كذلك وهو الشيخ الذي كان يعكس صورة عظمائنا من السلف، يصورها بسمته وهيئته، ويجسدها بحماسته وعلو همته، إنه الرجل الذي تلقى الدعوة من منبعها، فكان مشربه منها أصفى ما يكون نقاء، وسعيه في تبليغها أشد ما يكون انطلاقا، فأيقظ الغافلين بإنذاره القوي المبين، وحرك الخاملين بصوته الجهوري الرصين، فصيحاته المدوية لم تنحصر في موقع واحد، بل وصلت إلى كل مسجد وكل بيت وكل منتدى.
إنه أحد الفاتحين بجهاد الدعوة، التي لم يجامل في تبليغها صديقا ولا قريبا، حيث كان همه كسب قلب جديد، وتقريب البعيد، ونصح المريد،شعاره: قلة الجدل وكثرة العمل، فكانت حياته جهادا متواصلا في مقدمة صفوف العاملين.
إنه أحد جنود الدعوة، ومعاني الجندية تجري في دمائه، وقد كنا نراه يطوف بدرته والعرق يتصبب من جبينه، فإذا رأى الواقف في الصف متراخيا، هوى عليه بدرته قائلا: قف وقفة الجندي، فكانت مخيلتي الصغيرة تستحضر صورة أمير المومنين عمر ، الذي كان إذا تكلم أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع، ومع ذلك كان شيخنا رحمه الله تعالى تغلب الرحمة والعفو على صفاته كلها.
فلما جمعتني به أقدار الله في رحاب الدعوة، رأيت رجلا اجتمعت عليه قلوب العباد، فوظف ذلك في تربية الأفراد وإعداد الرجال، فلم تزل مجالس الشيخ تزيدهم رسوخا في الدين، وعزوفا عن الدنيا، وحنينا إلى الجنة، التي نسال الله تعالى أن يجعلها مأوى شيخنا الكريم آمين.
ذ. عبد الحميد صدوق