جرت العادة في أكثر بلادنا العربية: أن تخصص المرأة فترةَ بعد العصر لاستقبال صديقاتها، أو زيارتهن على اختلافٍ في طريقة الزيارة أهي دورية منظمة أم عفوية؟ وأياً كانت الحال لا يخلو البيت يومها من إعلان حالة طوارئ فيها. فاستعدادات فوق العادة، تستنزف الجهد، وتضيع الوقت، وتبعثر المال. وتحول يوم الاستقبال إلى مباراة بين الأسر فيما يقدم للضيوف، وفي إبراز مظهر البيت ولباس أهله.
ولو سئلت غالبية النساء عن الهدف من هذه الزيارة؟ لكان أحسن ما يفصحن به: إنه التلاقي لقتل الوقت والتسلية ودفع السأم والملل عنهن.
ولا أدري هل الوقت إلا عمر الإنسان الذي يسأل عنه؟ ومتى السؤال؟ إنه يوم الفزع الأكبر.. ومن السائل؟ إنه رب العالمين.
ومن أضاع وقته فقد أضاع جزءاً لا يعوض من حياته، وجديرٌ أن تطول عليه حسرته.
أختاه، أنت مربية الأجيال، وممولة للمجتمع المسلم ببناته من نساء ورجال، إن واجبي وواجبك التربية الرشيدة لأبنائنا، وإعدادهم إعداداً إسلامياً يجعلهم قادرين على حمل الأمانة والنهوض بالأمة وبناء المجتمع الفاضل المنشود. وإن كان ابن الجوزي قد عجب من أهل زمانه وإضاعتهم للوقت فقال: “رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً، وإن طال الليل فبحديثٍ لا ينفع أو بقراءة كتاب فيه غزاة وسمر، وإن طال النهار فبالنوم وهم في أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق نشبههم بالمتحدثين في سفينة وهي تجري بهم وما عندهم خبر، ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود، فهم في تعبئة الزاد للرحيل، إلا أنهم يتفاوتون، وسبب تفاوتهم قلة العلم وكثرته بما ينفق في بلد الإقامة”.
فماذا نقول نحن عن الناس في زماننا؟! وقد أصبح العبث الفارغ أساس حياة أكثرهم، والتبرم بالحياة سبباً في أمراض نفسية غريبة، وصار الضيق والهلع من المجهول شبحاً يطارد ضعاف النفوس والإيمان؟!
إن أساليبهم في اللهو وإضاعة الأوقات تفوق الخيال: فبعد السهر والسحر على شتى البرامج في وسائل اللهو الحديثة المحرمة والمباحة، النوم حتى الضحى، واللهاث بقية النهار للدنيا فقط، وفي أعمال الدنيا. وكثرة النوم والتناوم هو شأن الخاملين اللاهين. أما الجادون: فيحرصون على أوقاتهم حرص الشحيح على ماله أو أشد حرصاً، حقا “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ” (رواه البخاري).
< الداعية: خولة عبد القادر درويش
عن موقع طريق الإسلام