أصدر المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة العدد الرابع من تقرير الحالة الدينية في المغرب 2013/2015، أعده فريق مكون من 12 باحثا وفريق تحرير من تسعة أشخاص، وقد تعرض هذا التقرير لخمسة محاور رئيسية وهي كالتالي:
المحور الأول: الواقع الديني بالمغرب
رصدَ الملامح الكبرى لواقع التدين بالمغرب من خلال عرض نتائج الدراسات والتقارير الدولية والوطنية، منها تقرير الخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية، وتقرير مركز بيو 2013، وتقرير البارومتر العربي، وتقرير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أن التدين مكون أصيل بالمغرب، لكن تعترضه مجموعة من تحديات، كما أن الشباب المغربي يعبر عن تعاطيه الإيجابي مع الدين ومع حضور الدين في الفضاء العمومي من خلال الدستور أو القوانين الأخرى، ومن خلال العمل الحكومي والتشريعي وفي تأطير الحياة الأسرية، وفي ظل الاستقرار السياسي، يعبر الشباب المغربي عن أهمية محاربة الفساد وتحقيق توازن اقتصادي، وهو ما قد يخلق إشكالات اجتماعية في حالة تعذر تحقيقه، كما أن تعاطي بعض المظاهر المخالفة للدين لا يعني الدفاع عنها.
وقام فريق علمي من جامعة القاضي عياض بمراكش باستطلاع رأي 600 من الشباب المغاربة حول الدين والسياسة، خلاصته أن الشباب المغربي له رأي إيجابي من الدين ومن حضوره في الحياة السياسية والاجتماعية من خلال الدستور، ومن خلال الحضور في العلاقة مع الدولة، ومن خلال مشروعية دور الفاعل ذي المرجعية الإسلامية في الحياة السياسية.
فمثلا في علاقة الدين بالدستور:
- 90% يرون ضرورة تضمين الدين في الدستور، إما بتشكيله فرصة لضمان حرية المعتقد أو بحسب كيفية تصريفه على مستوى أرض الواقع.
- فيما يرى 10% أن التنصيص على الدين في الدستور غير ضروري؛ لأنه يقيد الحريات.
وفي علاقة الدين بالسياسة:
- يقر 83% بمشروعية الإسلام السياسي كفاعل في الحياة السياسية،
- في حين يرى51% منهم بأن هذه المشروعية بحاجة للتأطير بنصوص قانونية تمكنه من أدوات وفرص وآليات العمل السياسي في ظل شروط المشروعية والثوابت المتواضع عليها في الفضاء السياسي المغربي.
- في مقابل 17% يعارضون أي مشروعية للإسلام السياسي في العمل السياسي ويفضلون تبني خيار من الحياة السياسية.
كما يبرز هذا المحور تجليات التدين من خلال بعض العبادات والممارسات الدينية للمغاربة كارتياد المساجد وصوم رمضان والعمل التضامني والاجتماعي والحج والإفتاء الرسمي والتوجيه الديني والعناية بالقران الكريم والتعليم الديني والوقف، وكل تلك المعطيات تؤكد نوعا من الاستقرار في مؤشرات تنامي حالة التدين لدى المغاربة، وهذا أنموذج من إحصائيات التقرير:
المساجد: كشف التقرير أن عدد المساجد المدونة بالسجل الوطني بلغ 51.000 مسجداً، منها 19.500 مسجدا جامعا، خلال سنة 2015. إضافة إلى تزايد وتيرة مساهمة المجتمع المدني في النهوض بالمساجد، حيث وصلت طلبات الحصول على رخصة بناء أو إصلاح أو توسعة المساجد إلى 479، وقد بلغت عدد المساجد التي شيدت من طرف المحسنين وفتحت في وجه المصلين سنة 2013 وحدها ما مجموعه 107 مسجداً. أما ما يخص التأطير الديني بالمساجد فقد تم تعيين 2226 قيما دينيا جديداً بالمساجد التابعة للأوقاف. وتم تأهيل حوالي 44.700 إماما في إطار خطة ميثاق العلماء سنة 2014م، بإشراف حوالي 1428 عالما مؤطرا بتكلفة قدرها 104 مليون و362 ألف درهم.
المحور الثاني: الفاعلون الدينيون:
أولا : الفاعلون الرسميون (المؤسساتيون)
إمارة المؤمنين: حيث تم استعراض أهم الأنشطة التي أشرف عليها الملك بصفته أميرا للمؤمنين، مع التركيز على الأعمال ذات الإشعاع الإفريقي، بما في ذلك إحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة.
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: حيث تم الوقوف على أهم الأعمال التي قامت بها الوزارة، خاصة في مجال بناء وإصلاح المساجد، ومحو الأمية، والإشراف على التعليم العتيق، والعناية بالقيمين الدينيين وتقنين عملهم، وتكوين المرشدين والمرشدات…
المجلس العلمي الأعلى: حيث قامت الهيئة العلمية المكلفة بدراسة القوانين التنظيمية للبنوك التشاركية، كما عقد المجلس العلمي الأعلى خلال سنوات 2013 و2014 و2015 ست دورات.
الرابطة المحمدية للعلماء: وقد حافظت على تنظيم جموعها العامة لمجلسها الأكاديمي، وخلال السنوات الثلاث عرفت الرابطة نشاطا مكثفا من حيث تنظيم الأنشطة العلمية، أو الحضور فيها.
ثانيا: الفاعلون المدنيون:
العلماء والخطباء: حيث تم رصد مستوى حضور بعض العلماء غير المنضوين في إطار المجالس العلمية في مؤسسات وهيئات علمية عالمية مدنية، كما تم الوقوف على القضايا التي استرعت اهتمامهم، ومن ذلك التفاعل مع مختلف القضايا التي طرحتها بعض التيارات العلمانية؛ كإنكار عصمة الأنبياء، وموضوع الإرث، والإجهاض والدعوة إلى اعتماد الدارجة في التعليم…
الحركات الإسلامية: حيث تم الوقوف على أداء كل من حركة التوحيد والإصلاح وجماعة العدل والإحسان، والتيار السلفي والزوايا والطرق الصوفية.
المحور الثالث: تحديات التدين
عرض التقرير مجموعة من التحديات التي تواجه التدين في المغرب، ويمكن إجمالها في:
التحديات القيمية والأخلاقية:
ذكر التقرير أبرز ثمان مؤشرات التحدي القيمي والأخلاقي بالمغرب، وهي تحديات الرشوة والسيدا والشذوذ الجنسي والإتجار في البشر والجريمة بمختلف أصنافها، ثم تحدي الدعارة والخيانة الزوجية والقمار وتعاطي المخدرات، وهذا أنموذج لهذه المعطيات:
المخدرات: حافظ المغرب سنتي 2013 و2014 على المرتبة الأولى في تصدير القنب الهندي (الحشيش) إلى أوربا، وكشف التقرير عن تعاطي ما يزيد عن 26% من الشباب المغاربة للمخدرات بشكل منتظم، وأن 90% منهم تقل أعمارهم عن 25 سنة، حيث يرتفع منسوب التعاطي أكثر في المرحلة الجامعية.
ولا يخفى على ذي لب الدور الكبير الذي تؤديه المخدرات في ارتكاب الجرائم، حيث إن مدمنيها ارتكبوا 200 حالة قتل في الستة أشهر الأولى من سنة 2014 فقط، إضافة إلى أن حوالي 30% من حوادث السير تكون نتيجة تناول المخدرات.
التحدي التربوي والتعليمي:
وقف التقرير على عدد من المؤشرات التي تشكل تحديات للمدرسة ومحيطها ومنها العنف المدرسي، وانتشار المخدرات، والغش في الامتحانات، ومردودية التعليم وإشكالية الهدر وملاءمة التكوين لحاجيات الشغل وضعف الإبداع والابتكار.
التحدي الإعلامي:
وقد وقف التقرير عند الدور السلبي الذي يلعبه الإعلام في مختلف التحديات في مجال القيم، وعن مدى انخراط مختلف مكوناته في الدينامية الإصلاحية التي يشهدها المغرب.
كما عكس النقاش حول المسألة الإعلامية استمرار الإعلام التقليدي في لعب دور في مواكبة التأثير القيمي والثقافي رغم تزايد حضور الإعلام الإلكتروني. خاصة في القضايا السياسية والقيمية، وبروز مؤشرات تحوله إلى آلية مفصلية في الاستقطاب نحو التطرف والطائفية.
التحدي العقدي والطائفي (التنصير والتشيع)
تفيد المعطيات الرقمية تراجع التنصير نسبيا حيث تقلصت الخلايا والمجموعات المفككة، كما سجل التقرير غياب أي إطار رسمي أو مدني أو أكاديمي مهتم بالظاهرة، وغياب أي قاعدة معطيات عن جغرافية الامتداد التنصيري، ترصد خريطته وطريقة اشتغاله وكيفية التعامل مع ضحاياه والمواكبة العلمية لهم.
وتعزز التحدي الطائفي، بتأسيس جمعية تحت اسم «الرساليون التقدميون» وفي سنة 2015 تم إعلان «المرصد الرسالي لحقوق الإنسان». كما تميزت المرحلة بميل نشطاء «الخط الرسالي» إلى تبني خطابات الدفاع عن الحقوق والحريات، للضغط على الدولة للاعتراف بـ»كيان شيعي» بالمغرب، تحت ذريعة حرية المعتقد.
التحدي الصهيوني:
كشفت المؤشرات الرقمية عن تنامي الإعلان والإشهار للتطبيع ارتباطا بحساسية اللحظة السياسية التي يدبر فيها الإسلاميون الشأن العام، حيث يتم إظهار المغرب وكأنه أكثر تطبيعا مع الكيان الصهيوني، بغرض الإحراج السياسي للحزب الذي يقود الحكومة باعتباره الحزب الذي عرف دوما بمقاومته لكل مظاهر التطبيع مع الاحتلال الصهيوني.
المحور الرابع: تفاعلات الديني والاقتصادي والفكري
تعد المعاملات التشاركية وما يرتبط بها من تأمين تكافلي وصكوك وزكاة ووقف من أهم المواضيع التي هيمنت على النقاش والتشريع خلال فترة ما بين 2013-2015م، إضافة إلى زيادة الاهتمام ببعض القطاعات كالاتجار بالخمور والمخدرات، بموازاته تسارع الاهتمام بالمالية الإسلامية بالمغرب بالتركيز على المصادقة على القانون البنكي الجديد، وتزايد استعدادات البنوك المغربية لاستقبال هذه الطرق التمويلية الجديدة، من خلال عقد شراكات مع مؤسسات مالية دولية.
أما تفاعلات الديني والفكري، فقد شهد الفضاء العام خلال فترة (2013 – 2015م) تنامي النقاش العمومي حول عدد من القضايا الفكرية ذات العلاقة بالدين والهوية. ويكشف هذا من جهة شدة التدافع بين التيار العلماني والإسلامي. ومن جهة ثانية؛ يبرز حضور المعطى (الديني) في القضايا التي تعرف نقاشاً مجتمعياً، وترتبط تلك القضايا أساساً بالهوية الإسلامية للمغرب بشكل عام، أو تستند في رؤيتها الفكرية على الخلفية الحقوقية بمرجعية كونية.
المحور الخامس: الحالة الدينية لليهود المغاربة
سعى التقرير إلى رصد بعض ملامح حياة اليهود المغاربة الدينية، وأهم احتفالاتهم ومواسمهم، وكذا علاقتهم بالحياة العامة للمغرب. وكذا الحركية الدينية والاجتماعية لليهود المغاربة، من خلال المظاهر الدينية والعامة وفق مؤشرات فترة 2013 – 2015.
وحسب التقرير العالمي للحريات الدينية 2015 فإن اليهود المغاربة يبلغ عددهم اليوم حوالي 4000 نسمة، ويعيش أغلبهم في مدينة الدار البيضاء (2500 نسمة)، وبضع عشرات في مدن: الرباط ومراكش وفاس يمارسون مختلف طقوسهم الدينية بكل حرية.
وفي تعاطي اليهود المغاربة مع الشأن العام نظمت الطائفة اليهودية بالمغرب مجموعة من الفاعليات، نذكر منها: افتتاح الكنيس اليهودي «صلاة الفاسيين» بعد ترميمه. وتأسيس جمعية تحت اسم: «جمعية أصدقاء متحف التراث اليهودي المغربي» وغيرها.
بالعموم فقد تميز هذا التقرير بمميزات خاصة تتمثل في تفرده على سابقيه في كونه يغطي ثلاث سنوات وليس سنتين فقط، بهدف الرغبة في تقليص الفجوة الزمنية بين المرحلة التي يغطيها التقرير وبين تاريخ إصداره. كما يتميز بطابع الاستقرار الذي طبع مختلف مؤشرات الحالة الدينية على امتداد السنوات الثلاث التي يغطيها.
إعداد: محمد معطلاوي