إن الله تعالى فطر الناس كما يريد، له الجنة وله النار، وهو على كل شيء قدير، ولا مانع لما أعطى، وما منعه إلا بما قدر، إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، لأنه سبحانه هو الفعال لما يشاء، وكل شيء عنده بمقدار، ليس للعبد أن يعترض بقلبه أو بلسانه على ما شاء، لأن إيمانه بالله يقتضي التسليم المطلق لله تعالى، الذي لا شريك له.
وليس معنى التسليم بالقضاء أن يترك الإنسان العمل اتكالا على ما جرى به المقدور، فإن الغيب لله تعالى طواه عنا، واستأثر بعلمه سبحانه، فلا يحيط العباد بشيء منه، إلا بما شاء الله، قال تعالى: عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول (الجن: 26 – 27). وقد كلفنا الله تعالى أن نعمل في الدنيا، ويم القيامة يسألنا عما كلفنا، ولا يسألنا عما قضاه وطواه عنا، فعلينا أن نكون كالزارع يبذر البذور في الأرض ويترك لله مآلها، إن شاء أنبتها، وإن شاء أماتها، وهذا معنى قوله : أفرآيتم ما تحرثون آنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرومون (الواقعة: 66 – 70). ومن ذلك ندرك أن اتخاذ الأسباب بالعمل واجب على المؤمن، ولكن ينبغي أن يقرن هذا الواجب بواجب آخر يتسدعيه إيمانا بربه، وهو أن يشهد من وراء حجب الغيب عون الله تعالى وفضله وأثره فلا يعتمد على عمله وعلمه وحده، فيتشبه بقارون حين غره ماله الكثير وأنكر وجحد فضل الله تعالى عليه ، وقال: إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا (القصص: 78) فكانت عاقبته أن خسف الله به وبداره الأرض؛ قال تعالى: فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين (القصص :81).
قال بعض العارفين: إن الرضا عند أهل الرضا، ألا يقول العبد هذا يوم شديد الحر، وهذا يوم شديد البرد، يجب على المؤمن أن يكون في دينه ذا عينين: فينظر بعين الشريعة إلى أوامر الله تعالى ونواهيه، فيأتمر بما أمره الله، وينتهي بما نهاه الله عنه، وينظر بعين الحقيقة إلى قضاء الله فيرضى بالواقع المقدور، ويسلم لربه فيما قضاه وحكم به.
قال رسول الله : «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، ليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» (رواه مسلم).
عن أنس بن مالك قال: خدمت رسول الله عشر سنين، ما قال لي لشيء فعلته لم فعلته، ولا شيء تركته لم تركته، كان يقول: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن . قال ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى: الرضا باب الله الأعظم، ومن ملأ قلبه من الرضا بالقدر، ملأ الله صدره غنى وأمنا (مدارج السالكين 174/2).
قال الشافعي رحمه الله:
دع الأيام تفعل ما تشاء / وطب نفسا إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثات الليالي / فما لحوادث الدنيا بقاء
قال لقمان لابنه في وصيته له: أوصيك بخصال تقربك إلى الله، وتباعدك عن سخطه: الأولى: تعبد الله لا تشرك به شيئا، والثانية: الرضا بقدر الله فيما أحببت وكرهت .
كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري ، أما بعد: فإن الخير كله في الرضا، فإذا استطعت أن ترضى وإلا فاصبر .
والصوفية يقولون: إن الصبر على العافية أشد من الصبر على البلاء، ويقصدون بالصبر على العافية ألا يستعمل المؤمن نعم الله تعالى عليه، من قوة بدن، أو جاه، أو نفوذ، أو كثرة مال، في متابعة هوى النفس، ومخالفة أوامر الله ونواهيه؛ لأن استعمال النعم في معصية الله تعالى، كفر بنعمة الله، والعبد مأمور بشكر الله، والشكر يقتضي ألا يستعمل نعم الله في معاصيه .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب (آل عمران: 8).
ذ. أحمد حسني