وعن أبي سعيد الخدري أن جبريل أتى النبي فقال: يامحمد أشتكيت؟ قال: «نعم» قال: «بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك» (رواه مسلم).
رقية جبريل الملك الكريم لمحمد عليهما السلام فيه إشارة إلى أن الذي يباشر الرقية ينبغي أن يكون خيّرا صالحا، لا مشعوذا دجالا، وذلك أن الرقية الشافية بإذن الله تعالى ليست طلاسيم مبهمة، وتعاويذ محرمة، كلا إنها رقية ودواء يستخرج من أنوار كتاب عظيم، وسنة نبي كريم، وسبيل نفعها لا يتوقف على مجرد القراءة فحسب؛ بل لابد للراقي من إشراقة قلبية ونفس زكية.
قال الأبي رحمه الله تعالى: معنى اشتكى: مرض لا أنه أخبر بما يجد من الآلام، والاستقراء يدل أن تداويه أو أكثرها إنما هو بالرقى لا بالأدوية، لأن الأدوية إنما تستعمل في الأمراض التي من قبل فساد المزاج ومزاجه خير الأمزجة.
قوله: “من شر كل نفس” قال يحتمل أن يريد بها العين؛ لأن النفس تطلق على العين، يقال رجل نفوس إذا كان يصيب بالعين، ويقال أصابته نفس أي عين، والنافس العائن.
وبمثل هذه الرقية الملائكية كان النبي يرقي أصحابه وأهله، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي كان يعود بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: «اللهم رب الناس أذهب البأس، واشف، أنت الشافي لا شفاء إلا شفائك، شفاء لا يغادر سقما» (متفق عليه).
وعن أنس أنه قال لثابت رحمه الله، “ألا أرقيك برقية رسول الله ؟ قال: بلى، قال: اللهم رب الناس، مذهب اليأس، اشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت، شفاء لا يغادر سقما” (رواه البخاري).
قوله: “أنت الشافي” قال ابن حجر رحمه الله تعالى: يؤخذ منه جواز تسية الله تعالى بما ليس في القرآن بشرطين:
أحدهما له أصل في القرآن وهذا من ذاك، فإن في القرآن: “وإذا مرضت فهو يشفين”.
وكان: “لا يغادر” لايترك مرضا إلا زال بإذن الله، قال الطيبي رحمه الله تعالى: “الشفاء الذي لا يغادر سقما هو شفاء الله تعالى”.
وعن سعد بن أبي وقاص قال: عادني رسول الله فقال: «اللهم اشف سعداً ثلاثا». تبركا بوترية الدعاء الدالة على وحدانية الله و التكرار يفيد الإلحاح في الطلب الذي لا يرد معه الدعاء، فإن الله يسحيي أن يرد من وقف ببابه داعيا ملحا.
ذ. عبد الحميد صدوق