بعد الحديث عن المصدرين الأولين، ألا وهما: تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالسنة النبوية. سأنتقل إلى الحديث عن المصدر الثالث.
المصدر الثالث: تفسير القرآن بأقوال الصحابة:
لن ينصب حديثي هنا حول التفصيل في تعريف الصحابي، لأن هذا مبسوط في المعاجم اللغوية والاصطلاحية، وكتب الحديث والفقه.
فالصحابي عموما: هو من لقي أو رأى أو صحب النبي مؤمنا به ومات على الإسلام. يقول ابن حزم: أما الصحابة رضي الله عنهم فهم كل من جالس النبي ولو ساعة، وسمع منه ولو كلمة فما فوقها، أو شاهد منه أمرا يعنيه، ولم يكن من المنافقين الذين اتصل نفاقهم، واشتهر حتى ماتوا على ذلك .
المطلب الأول: عدالة الصحابة ومزاياهم:
إن الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- هم الذين اختارهم الله لمجلس رسول الله ، لحمل رسالته، وتبليغها، فمثلوا ذلك الجيل الفريد الذي يجب الاقتداء به، والسير على هديه، ولم لا وهم أشد الناس اتباعا للرسول، وأقواهم إيمانا به، واتباعا لشرعه، وجهادا في سبيله، لنصرة دينه… ، وهم الذين ورثوا القرآن وتفسيره عن رسول الله ، ولا سيما المهاجرين والأنصار، الذين شهد الله تعالى لهم في كتابه العزيز بالصدق والإخلاص، واتباع الرسول ، فأسبغ عليهم بذلك رضوانه الأكبر، ووعدهم بالجنة، فقال تعالى:﴿ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم . وقال أيضا: لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا .
ولهذا اتفق جمهور العلماء على عدالتهم. يقول الزركشي: فإن الأصل فيهم العدالة عندنا… ويقول ابن كثير: والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة، لما أثنى الله عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به الألسنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وبما بذلوه من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله ، رغبة فيما عند الله من الثواب الجزيل والجزاء الجميل . ومن الأحاديث التي تدل على فضائل الصحابة وعدالتهم، قوله -عندما سئل عن أي الناس خير-: «قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تبدر شهادة أحدهم يمينه، وتبدر يمينه شهادته» وقوله: «خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم». كما حرم سب أصحابه ، فقال: «لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه». وفي رواية لمسلم «لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه».
فهذه الأحاديث والآيات التي ذكرت قبل إن دلت على شيء فإنما تدل على مكانة وأفضلية هذا الجيل الفريد، الذين فازوا بالسبق، ويا حسرة أولئك الذين يقذفون من عدلهم القرآن، خصوصا الروافض من الشيعة الذين غالََوا في ذلك، وغيرهم من الفرق الضالة الذين جعلوا الطعن فيهم سبيلا لهدم الدين كله. وبسبب هذا التعديل أصبحت للصحابة خصيصة، وهي أنه لا يسأل عن عدالتهم حسب جمهور العلماء، يقول ابن حجر: للصحابة خصيصة، وهي أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم، وذلك أمر مسلم به عند كافة العلماء، لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الشرع من الكتاب والسنة، وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة . وقال عبد الله بن صالح الفوزاني عند شرحه لقول الإمام عبد المومن بن عبد الحق البغدادي الحنبلي: والصحابة كلهم عدول يقول: أي فلا نتكلف البحث عن عدالتهم، ولا طلب التزكية فيهم، وتقبل رواية الواحد منهم، وإن كان مجهولا، ولذلك قالوا: جهالة الصحابي لا تضر…
وبهذه الخصائص والصفات التي تحققت لهذا الجيل، يتعين على كل من جاء بعدهم الاقتداء والأخذ عنهم، وهذا ما سنراه في العنوان الموالي.
المطلب الثاني: مصادر التفسير عند الصحابة:
لن أفصل هنا لأن مصادر التفسير في هذا العهد معروفة، وهي مبسوطة في كتب علوم القرآن، وسأذكرها مجملة إلا ما تبين لي أنه في حاجة إلى تفصيل، وهي كالآتي:
- المصدر الأول: القرآن الكريم …
- المصدر الثاني: النبي …
- المصدر الثالث: الاجتهاد وقوة الاستنباط …
- المصدر الرابع: أهل الكتاب من اليهود والنصارى. وقد برر الدكتور محمد حسين الذهبي سبب رجوعهم هذا، فقال: وذلك أن القرآن الكريم يتفق مع التوراة في بعض المسائل، وبالأخص في قصص الأنبياء وما يتعلق بالأمم الغابرة. وكذلك يشتمل القرآن على موضوعات وردت في الإنجيل كقصة ميلاد عيسى ومعجزاته… . ولما كان القرآن لم يتعرض لتفاصيل هذه الأمور، عكس التوراة والإنجيل اللذين فصلا في كثير من هذه القصص… وهذا ما جعل بعض الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، يرجعون في استيفاء بعض القصص التي لم يتعرض لها القرآن الكريم من جميع نواحيها إلى من دخل في دينهم من أهل الكتاب: كعبد الله بن سلام، وكعب الأحبار… . إلا أن رجوعهم لم يكن مطلقا، بل كان قليلا مع كثير الاحتياط. وهذا سأبينه في المحور المتعلق بالإسرائيليات. والتفصيل في هذه المصادر مبسوط في كتب التفسير وعلوم القرآن.
د. العربي عبد الجليل