تنمو دول العالم المتقدم بوتيرة متسارعة وتشق طريق التنمية بشكل متصاعد ومستمر واستطاعت هذه الدول بناء قاعدة اقتصادية متينة ارتكزت على إستراتيجية تنويع وتنمية المصادر الاقتصادية المختلفة، وأصبحت تهيمن على الاقتصاد العالمي بكفاءة وبجودة عالية، فماليزيا كانت حتى عام 1981 تعيش في تخلف وفقر مدقعين، ويعمل معظم شعبها في الزراعة وصيد الأسماك ويسكنون الغابات، وكان متوسط دخل الفرد يقدر بـ 100 دولار سنوياً، وتمزقها الصراعات الدينية «18 ديانة» والحروب الأهلية، واليوم ماليزيا تعد من الدول المصنعة التي تنمو بشكل هائل ومتسارع وتمتلك اقتصاداً قوياً مقارنة بباقي الدول الأسيوية وتحقق أرباحاً كبيرة في التصنيع والزراعة والتصدير.
ماليزيا، وكوريا الجنوبية، والبرازيل، وتركيا من الدول التي حققت طفرة تنموية هائلة في جميع المجالات، وبلا شك فأن الاستقرار الداخلي بعيد عن مخاطر الحروب القارية والنزاعات الأهلية أسهم في ازدهار اقتصادات هذه الدول فعندما ينمو الاقتصاد تنمو معه جميع المجالات وتتوسع مخرجاتها وهذا سبب النهضة التي تعيشها هذه الدول.
أما العالم العربي فيشهد أوضاعاً سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية متأزمة أدت إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية في معظم الأقطار العربية التي شهدت وتشهد حراكاً سياسياً واضطرابات داخلية تمثلت في تدمير أجزاء كبيرة من البنى الأساسية والمرافق العامة وتراجع معدلات النمو الاقتصادي وتراجع تدفق الاستثمارات بشكل كبير وكذلك الاستثمارات الخارجية.
فالوطن العربي فقد رُسم له بأن يموت ميتتين:
أولاهما: بسبب جحيم فساد السلطات التي نهبت ثروات المواطن العربي وحكمت عليه بالموت البطيء تحت عذاب الفقر والجوع والمرض،
وثانيهما: الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة والقلاقل الحزبية والمذهبية، أضف إلى ذلك ما خلفه الربيع العربي من دمار لبعض الدول العربية التي مازالت تشهد نزاعات سياسية قد يطول أمدها .
وهناك مخطط استراتيجي لإبقاء الدول العربية مدينة هشة لا تقوى على التقدم والرقي، وإبقائها ضمن دول العالم الثالث التي تصارع من أجل العيش لا من أجل الارتقاء والتطور، فالوطن العربي قُدر لهُ أن يظل يعيد إعمار ما أفسدته هذه الأحداث من حروب وثورات مسلحة بحيث تستنزف الميزانية من أجل الإعمار وليس من أجل النمو والتقدم والنهوض من الفقر والعوز إلى الاكتفاء الذاتي.
ولتسليط الضوء على حجم الخسائر الناتجة عن الثورات التي شهدتها دول الربيع العربي والتي قدرها المحللون الاقتصاديون بـ 800 مليار دولار، وهذه الخسائر تزداد كلما طالت المراحل الانتقالية وتوسعت دوائر الصراع والخلاف وهذه الخسائر لم تشمل الخسائر المباشرة لتدمير البني التحتية والصناعية وتفكيك مؤسسات الدولة والجيش وتدمير المخزون والترسانة العسكرية لهذه الدول.
فقد جاء الربيع العربي على طبق من ذهب للقوى السياسية الكبرى وخاصة الأمريكية والأوروبية والصهيونية لاستكمال أركان هذا المشروع في إضعاف الدول العربية وإعادتها سنوات طويلة إلى الوراء لتنشغل بإعادة بناء نفسها مما قد يتطلب منها عقودا من الزمن لتعود إلى حالتها الطبيعية بالإضافة إلى إغراق هذه الدول في ديون للدول المانحة لإعادة الإعمار.
كما قُدرت خسائر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة سنة 2008 بـ 4 مليارات دولار، والعدوان على القطاع أواخر 2012 تقدر خسائرهُ بـ 300 مليون دولار، وقُدرت خسائر الحرب الإسرائيلية على لبنان سنة 2006 بـأكثر من 16 مليار دولار، أما الاحتلال الأمريكي للعراق فقُدرت خسائره بأكثر من 450 مليار دولار عدا ذلك ومن الخسائر البشرية.
والصومال يحتاج إلى مئات المليارات ليعود إلى مسار الحياة الطبيعية للبشر بعد أن أنهكته الحروب وقسمته القوى السياسية المتناحرة وأهلكت شعبه المجاعات، والسودان يعاني من فقر مغدق بعد أن تم تقسيمه إلى دولتين وخاصة أن دولة جنوب السودان تمتلك المخزون النفطي الذي كان هو المصدر الأول للاقتصاد السوداني.
هذه الحروب لها تكاليفها الاقتصادية المرتفعة على الدول العربية فبالإضافة إلى استنزافها الميزانيات الضخمة لإعادة الإعمار فإنها تعيد المواطن العربي عقوداً من التخلف والضياع إلى الوراء بدلاً من أن يتقدم خطوة إلى الأمام ليلحق بركب الدول المتقدمة.
وقد زُرعت إسرائيل في جسدنا العربي ونمت وازدهرت اقتصادياً وعمرانياً وأصبحت من الدول النووية التي تمتلك ترسانة عسكرية كبيرة ولديها رؤوس أموال ضخمة ويعيش شعبها برفاهية ويحظى بقدر عالٍ جداً من الحرية وتقدم وله كافة الخدمات بصورة سهلة وسلسة، بينما بلداننا العربية أُريد لها أن تقبع في دائرة الحروب والنزاعات بإرادة أمريكية إسرائيلية تتدخل في الشأن العربي بشكل سافر وتتحكم في سياساته، وقد أغرقت المنطقة العربية في حروب ونزاعات أنهكت ميزانيتها ودمرت مقوماتها التنموية وأدخلتها في طائلة المديونية لقرون قادمة.
هذه السياسة الأمريكية الإسرائيلية لن تتغير تجاه الدول العربية ما لم يكن هناك موقف عربي موحد ولديه خطة إستراتيجية بعيدة المدى من أجل القضاء على الخلافات الراهنة ومنها التدخل الأمريكي السافر في الشأن العربي وكيفية توجيه الثروات العربية لتنمية المواطن العربي والقضاء على النزاعات والحروب التي أنهكت دولنا العربية ورفع سقف الحرية في مجال التعبير بالطرق التي تكفل النقد البناء دون المساس بسيادة الدولة وتعيق نموها وتدمر مكتسباتها.
< موقع صيد الفوائد
عبدالهادي الخلاقي