يأخذه الحنين إليها.. يستبد به السهاد بعيدا عنها…
لم يصدق لحظة الوصل.. حاول أن ينظر إليها.. لكن بصره ينقلب إليه حسيرا…
هاله أن تتنكر له كما تنكّر لها..
تراءى له أبوه يهبها من عمره.. تنفذ إلى داخله رائحة قطرات عرقه…
تراءت له أدمع أمه وهي تتوسل إليه…
ارتمى عليها باكيا يلثم ترابها.. يقطع أنينها وعتابها أوصاله …
كم يدرك الآن لحظة طيشه حين باع أرضه التي ورثها عن آبائه…
باع عشر هكتارات خصبة معطاء مقابل عقد عمل في الضفة الأخرى…
هناك، أخذه مشغّله الغربي إلى أرض نائية جرداء .. وقال له:
“مساحة هذه الأرض خمس هكتارات.. حفرت بئرا.. وهيأت لك كل وسائل العمل.. سأعود بعد خمسة أشهر.. لأجدها قد أصبحت خضراء.. !”
انهمك في عمله.. لكنه كان يشعر بغربة عميقة.. فالأرض ليست أرضه.. والفلاحة التي كانت تأنف نفسه من مزاولتها في أرضه، ها هو يزاولها مقابل حلم شارد كان يراوده…
يقف لحظات مع نفسه.. يتراءىله حلمه لحظة شروده وراءه.. وأمامه حلم شاسع ملء السراب…!
بعد سنوات من الغربة.. لم يأل جهدا في استرداد أرضه رغم أن ثمنها تضاعف أضعافا مضاعفة.. لكن المالك الجديد سخر منه مقهقها: “وهل أنا غبي مثلك لأبيع هذا الكنز ؟!”