القصص المرعبة التي سمعوا بها عن غرق العشرات من أقرانهم في لجة البحر بحثاً عن ملجأ آمن على الشواطئ الأندونيسية، لم تمنع «شمس العالم» أن يتخذ قراره الصعب بترك بلده ميانمار (بورما) والانضمام إلى آلاف آخرين كانوا قد خاضوا الرحلة ذاتها رغم الثمن الباهظ في الأرواح.
الاضطرابات العنيفة التي اندلعت في ولاية «أراكان» منذ 2012، التحقيقات التي تحدثت عن وجود «أدلة قوية» على وقوع إبادة جماعية منسقة من قبل حكومة ميانمار ضد مسلمي الروهينغا في ولاية أراكان (غرب)، كانت وراء قرار شمس العالم بالرحيل مع زوجته وابنيه الشابين.
فمسلمو الولاية البالغ عددهم 1.3 مليون، ترفض الحكومة منحهم الجنسية وتعتبرهم مهاجرين غير شرعيين أتوا من بنغلادش.
أراكان السجن الكبير
يصف شمس العالم ولاية أراكان الواقعة غرب ميانمار بأنها «أصبحت سجناً كبيراً للمسلمين الروهنجيا مشيراً إلى أن المتطرفين من البوذيين لا يرغبون بأي حال وجود المسلمين هناك».
على الرغم من أن أراكان التي تعتبرها أقلية الروهينغا موطنهم الأصلي إلا أن سبب الرحيل كما يقول شمس «حرمونا العيش بسلام، يهددوننا دوماً ويمنعوننا من العمل والتكسب بأي شكل كان، ويطلبون منا مغادرة أراضينا والذهاب إلى دولة إسلامية أخرى، حتى أصبحت حياتنا محاطة بهذه الإجراءات والتهديدات بشكل لا يطاق».
تلك الأسباب كانت كفيلة بجعل فكرة الرحيل همّ الرجل، فقرر الهجرة إلى أي دولة يستطيع العيش فيها بأمان، ويوضح «لم يكن خروجنا طواعية فنحن نحب وطننا ميانمار ولكن الظلم والقهر والحرمان الذي عشناه هو ما دفعنا لهذا القرار».
رحلة القوارب المائية
رشيدة خاتون والبالغة من العمر 55 عاماً رافقت زوجها شمس في طريق الهجرة مغادرة ميانمار وصولاً إلى إندونيسيا، وتحكي عن حالها بدموعها «لقد وصلنا إلى إندونيسيا بعد رحلة محفوفة بالمخاطر كدنا نغرق في المحيط عدة مرات، وكنا قد سمعنا عن عشرات القوارب التي غرقت وراح ضحيتها المئات من الروهنجيا بينهم أطفال ونساء».
وبعد وصول أعداد كبيرة من الروهنجيا إلى إندونيسيا عن طريق القوارب المائية واستقرارهم هناك بدأت معاناة جديدة وهي عدم وصول معونات مفوضية اللاجئين حيث اكتفت المفوضية بمنحهم بطاقات لجوء.
أحمد وهو شاب روهنجي لاجئ يقول لـ «هافينغتون بوست عربي» إن «النظام هنا لا يسمح لي بالعمل وأجد صعوبة بالغة في توفير متطلبات الحياة، كما أنني أطمح إلى مواصلة دراستي ولكن هناك عوائق كثيرة تحول دون ذلك».
الوضع السيئ يطال الكبار وحتى الصغار «أبناؤنا لا يدرسون ونخشى أن تكبر أعمارهم دون أن يتلقوا التعليم المناسب» تقول رشيدة إحدى اللاجئات.
وتضيف «نطالب بنقلنا إلى دولة نشعر بالأمان فيها، وتتوفر فيها فرص التعليم والصحة، وأن تؤمن لنا احتياجاتنا من غذاء ودواء ومنازل».
المصير الغامض
من خلال الحديث الذي أدلى به اللاجئون الروهنجيون لـ «هافينغتون بوست عربي» يظهر واضحاً أن غموض المصير وعدم الاستقرار الكامل هو الهاجس المؤرق.
فميانمار لا تقبل بعودتهم ودول الجوار لم تأخذ ملف الروهنجيا بالجدية التي ينبغي التعامل معها كما يقول أزهر أحد اللاجئين ويضيف «أكبر ما يقلقنا هنا هو مصيرنا الغامض والمجهول والذي لا نعلم متى تستقر أمورنا ونستطيع أن ننخرط في أي مجتمع لكي نكوّن أنفسنا ويستطيع أبناؤنا أن يحصلوا على التعليم ونعوض ما فاتنا في وطننا بميانمار».
صلاح عبدالشكور هافينغتون بوست عربي-إندونيسيا