هل نستطيع أن نكتم أصواتا تنطق حنقا فتحدث ضجيجا يئد ببشاعته هدوء الحكمة؟
هل نستطيع كتم ضوضاء الكذب وقول الزور والغيبة والنميمة؟
متى نصطف مع فئة هي أشد وطءا وأقوم قيلا؟
فئة تمر باللغو مرور كرام أباة؛ وتحارب دعاوى النفس التي تهوى الخوض مع الخائضين؛ فتوجه حديثها لشحذ الهمم، وبعث تفاؤل ينير الحلك.
فئة تخرس صوت الهمة القعساء لترتقي صعدا في مدارج الألق.
فئة لا تؤمن بقول اللاشيء الغزير، بل تلجم اللسان بهيبة المحاسبة.
فئة تحصن سرها لتسلم من عيبه وضره فتظفر بالقبول.
فئة لا تضن بنصح وإن استقله السامع؛ بل تبذله عطاء دون منّ ولا استكثار.
فئة تكظم الغيظ فتشد وثاقه بسلاسل الحلم ليقينها أنه إذا أفلت أتلف.
فئة تجمل موضع نظر الرب عز وجل بالإخلاص واليقين لئلا يعلوه الران وتستحكم الأقفال.
فئة تعلم أن النفس ممتحنة بكسبها مرتهنة، وأن نعيم العيش عارية سرعان ما ستسلب وترد.
وان ما زرع في الدنيا سيؤدى حقه يوم حصاده.
فئة مدحهم الحق سبحانه بذكر أوصافهم في محكم التنزيل، نزهوا جوارحهم عن كل قبيح.
وجهوا حديث النفس حتى أضحى السر يلهج بالذكر، وطهروا ألسنتهم فنطقت بعذب كلم أظلتهم أوراق أشجاره الوارفة.
بسطوا أيديهم وقلوبهم بالعطاء فكانوا مفاتيح الخير مغاليق الشر.
أهمهم هم الآخرة وحركهم الشوق والتوق إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر.
إن السبيل إلى اللحاق بقافلتهم رهين بركوب رواحل القصد والعزم الصادق، وإنارة قناديل الهمة في محراب القلب، لتصونه من التعلق بالفاني، وتحمله على الرغبة في الدائم الباقي، وتطهره من كدر التواني.
رواحل الهمة والعزم الصادق عزيزة ناذرة، لركوبها يلزم التضلع من سقاء الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية، والتزود بزاد التقوى.
وإنما يقطع السفر في فلاة عسيرة المسالك بلزوم الجادة وتفقد سلامة الرواحل.
ذ. رجاء عبيد