الخطبة الأولى:
الحمد لله…
أما بعد؛ فإن روح العبادة وأصلها، تعظيم الله جل وعلا، هو جلالها وجمالها وبهاؤها، وأكثر الناس معرفة بربهم أشدهم له تعظيمًا.
أمر سبحانه بتعظيمه فقال تعالى: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (الواقعة: 74).
العظمة الكاملة المطلقة لله ، من نازعه فيها ألبسه الله رب العزة لباس الذل والعار في الدنيا، وألقاه يوم القيامة في نار جهنم، ففي الحديث القدسي: «الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، من نازعني واحدًا منهما ألقيته في النار».
فالله جل وعلا عظيم في ذاته، عظيم في أسمائه وصفاته، عظيم في ملكه وسلطانه، رفع السماوات بغير عمد وهو ممسكها وحافظها، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (فاطر: 41) وقال سبحانه: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيم (البقرة:255).
عظيم في خلقه وأمره، يقول سبحانه: مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ (لقمان: 28)
عظيم في علمه وكلماته، يقول تعالى: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (الكهف: 109)، وقال سبحانه: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّه (لقمان:27).
عظيم في دينه وشريعته، قال تعالى: وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيم (الحجر: 87).
بالتذكير بعظمة الله تكبيرًا وإجلالاً، يرفع المؤذنون الأذان في كل يوم خمس مرات.
بالتعظيم لله تكبيرًا وإجلالاً نستفتح صلواتنا، وبه في الصلاة تنقلاتنا، وعقبها أذكارنا.
بالتعظيم لله تكبيرًا وإجلالاً نختم صيامنا ونستقبل أعيادنا.
تأمل أدعية النبي والأذكار، تجد التعظيم والإجلال والإكبار، ففي دعاء الكرب يعظّم ربه داعيًا فيقول: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا هو رب العرش العظيم».
وعظ نبي الله نوح قومه حين أشركوا مع الله غيره قائلاً: مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (نوح: 13)، أي: مالكم لا تعظّمون الله، ما لكم لا تقدرونه حق قدره؟!
وصدق الله إذ قال: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (الزمر: 67).
تكاد الجمادات تتصدع مما نسب إليه المشركون؛ تعظيمًا وإجلالاً، يقول تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا، لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا، تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا، أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا، وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا، إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (مريم:88 – 93).
ذلت لعظمته وخضعت لجبروته الكائنات، يقول تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء (الحج:18).
علم الملائكة عظمته فخافوه وعظموه، يقول الله عنهم: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (النحل: 50)، وقال أيضًا: .. بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ، لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ، وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِين (الأنبياء:26-29).
خاطب عباده بعظمته في الحديث القدسي فقال: «يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه»(رواه مسلم).
عباد الله، من تعظيم الله جل وعلا: تقديم محبته على محبة ما سواه.
من تعظيم الله تعالى: كثرة ذكره وحمده وشكره واستغفاره.
من تعظيم الله تعالى: تعظيم شريعته، والوقوف عند حدوده.
ذلكم بعض القول في عظمة الله تعالى مما تتحمله العقول، وإلا فعظمته تعالى أجل من أن يحيط بها عقل أو إدراك، فعظموا ربكم وأطيعوه، تسعدوا وتفلحوا في الدنيا والآخرة.
الخطبة الثانية
الحمد لله…
أما بعد، فإن لتعظيم الله فوائد يجتنيها الفرد والمجتمع.
بتعظيم الله تعالى تحصل الخيرات، وتندفع الشرور والآفات.
بترسيخ هذه التربية في النفوس، تعالج كثير من المشاكل الأمنية والاجتماعية والاقتصادية… بأيسر السبل وأقل التكاليف والأعباء.
من الذي عظَّم الله –تعالى- فقدَّم عليه هواه؟! ومن الذي عظمه فاستهان بأمره، أو تهاون بنهيه؟!
من عظَّم اللهَ -تعالى- عظَّم اللهُ قدره في قلوب خلقه.
ومن هان عليه أمر الله فعصاه، أهانه الله وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ (الحج: 18).
- من عظم الله -تعالى- عظُم بالله إيمانه فخافه من غير قنوط، وراقبه في السر والعلانية.
من عظم الله –تعالى-، أكثر ذكره وشكره ودعاءه واستغفاره، وسارع إلى طاعته ورضاه.
اللهم عظّم في قلوبنا قدرك العظيم، وجنبنا أن نستهين بأمرك، أو نتهاون بنهيك فنكون من الصاغرين.
د. محمد أكجيم