لدى المبدع المغربي ما يكفيه من الهموم كي يظل قلمه سيالا … فليس في الدنيا جرح أغور من جرحنا، ولا شرخ أعمق من شرخنا، فكيف يتيه الإبداع العربي بين الخصور والنحور والسيف معلق على نحرنا، وكيف ندبج الأشعار في الخوار والشجار ولحمنا يشوى على النار:
لحم أبي وأمي وإخوتي في النار
وتريدين أن أكتب في جمالك الأشعار
تذكر الشاعرة الراحلة «نازك الملائكة» في مقدمة ديوانها «للصلاة والثورة» أن طائر الشعر هجرها فلم تخط بيتا واحدا طيلة ثلاث سنوات، فحسبت أنها انتهت شعريا، وحزنت لذلك كثيرا، غير أن الخلاص جاء من بطاقة أرسلها لها صديق بمناسبة عيد الأضحى، وكانت تحمل صورة للمسجد الأقصى المبارك وهو يعج بالمصلين، فأثارت صورة المسجد الأسير قريحة الشاعرة المتجمدة، فكتبت على ظهر البطاقة بيتين أو ثلاثة، وحسبت أن الأمر سينتهي عند هذا الحد، غير أنها لما قامت في صباح الغد أعادت قراءة الأبيات فتحمست لتكملها قصيدة كاملة أسمتها: {للصلاة والثورة} فما لبثت أن أتبعتها بعدة قصائد كلها تمجيد للأقصى والكفاح الفلسطيني، ليكتمل كل ذلك في ديوان رائع حمل اسم القصيدة التي أخرجتها من عزلتها الشعرية…
فأين شعراؤنا الأشاوس وأين روائيونا الأفذاذ الذين ما لبثوا يخرجون علينا كل يوم بأعمال تمجد التفسخ والانحلال وتجعل عوراتنا على المكشوف… وأين صناع السينما في أوطاننا الذين ملؤوا ساحاتنا الفنية رذالة ومسخا باسم التفتح وحرية الإبداع، وكأن الحرية لا تتسع إلا لثقافة العري والمجون…
فتحية إلى كل المبدعين الذين حملوا الحرف هما ونزفا، ولم يعتبروا الكلمة ترفا فكريا أو تسكعا وجدانيا… وتحية إلى صناع مجدنا في مسرى نبينا ، لأن شموخهم حافز لنا كي لا ينقطع السيل.
من قصيدة لسالم جبران
ذ: أحمد الأشهب