تحدثني في لحظة تصاف بصوت تعانقه غصة الندم لتعترف بسرعة تبدد خيوط عزمها الواهنة؛ قائلة: أجدني يا صديقتي الغالية سرعان ما ينطفئ فتيل أوبتي فأعود لأسوء مما كنت عليه، وتبات الشيطان تشعرني بالضعف والهوان، أشعر بضجيج بداخلي يعلو صداه، فأحاول طرده، وانهزم أمام تعالي قهقهاته التي تجتهد في بث اليأس في أوصالي،
أشعر أن أبواب قلبي شرعت، وكسرت نوافذ وجائه، فغشاه دخان كثيف، وفقدت بوصلة البصيرة… فاضطربت جوارحي.. وانصرم اللجام….احترق واحترق، ولا يمكن لجروحي المندملة أن تلتئم بلا دواء ولا ضماد.
عودت لساني طقوسا قولية فأصبح يتحرك بخفة الاعتياد دون استئذان الفكر ليعبر عن أتفه الخواطر، فما فتئت أبحث عن موائد الأنس لنتفكه بنثانة اللحوم البشرية، مستعينة بسوء الظن الذي أضحى عندي نباهة.
سكتت هنيهة كيما تلتقط أنفاسها، وقالت: غربت شمس الحق في صدري، وتلاشت أشعتها، فخبأت قلبي في مغاور ظلمة الجهل، وحجبت الإيمان فيه بأكفان الغفلة، فما عاد خفوقا، ما درت عاقلتي آنئذ أن إيماني أسكنته نعشا، ودققت النعش بمسامير…..مسامير الغيبة وسوء الظن والعجب والأنانية والتيه…..
توقفت عن الكلام لتنوب دموعها المنهمرة عن البوح، وانتصبت إذ ذاك الى الانصراف؛ فأوقفتها قائلة: على رسلك أيتها الغالية؛مادامت في العين دموع الندم فما زالت في القلب حياة.وصدق الاعتراف ولوعة الندم ملاقط تزيل مسامير النعش، وصلاح الحال مقدمته استغراق في الندم، وعزم صادق على الأوبة؛ والنفوس يا صديقتي إن صفت من كدر الوقوف مع الطبع التحقت بمعالي الهمم، وبعالم أسمى لا تحس فيه بالتيه ولا بالضلال، بل ترتقي فيه مراقي النجاة.
قرأت في سطور بوحك معان عميقة، فاعترافك بداية الطريق، ولتشمير سواعد الجد لابد من معرفة عمق الصدإ الذي تتركه المسامير، والذي لا ينجلي إلا بالتوبة النصوح التي تجمعها أشياء أربعة: استغفار باللسان، وإقلاع بالأبدان، وعدم الإصرار بالجنان، ومهاجرة سيء الخلان.
وأنا أحدث نفسي قبلك ناصحة: فما حرمت الغيبة الا لضراوة وقعها على الطبع، ولهيب أثرها على الخلق؛ فهي توقظ الغيظ والعداوة، وتثير اضطرابات النفس التي يزداد نهمها كلما فغرت الأفواه بذكر عيوب الغير أو بالشكوى منهم وتنقيصهم.
والغيبة يا صديقتي تستدعي سوء الظن فهو محضنها الذي ترتع فيه، وتكسو القلب بأحلاس خلقة فيبهت نور الإيمان فيه، فيصير كسبه حسرة.
والأوقات يا صديقتي أعطيات ثمينة إن لم نرعها سرقها الفراغ منا، وصرفناها في عبث ، لن نرتاح في ظله أبدا.
مدي يديك أيتها الغالية لنتواصى بالخير والحق و نتناصح في الله فما خاب أخلاء الصلاح ولا ضلوا، لأن محبة الله حقت للمتحابين فيه.
أعينيني على نفسك لنقتلع مسامير نعش الإيمان، ونزيل عنه الأكفان ، فتتجدد الحياة فيه بذكر الحنان المنان.
ذة. رجاء عبيد