ما حظ اللغة العربية والتربية الإسلامية في الـمذكرة الإطار 2015 – 2030؟


في العدد السابق نشرت جريدة المحجة خبر إصدار وزارة التربية الوطنية لمذكرة إطار في شأن التنزيل الأولي للرؤية الاستراتيجية للإصلاح التربوي 2015 -2030م وكانت الجريدة قد توصلت بنسخة من المذكرة. وقد تداولت كثير من المنابر الإعلامية تحليل مضامين هذه المذكرة وأبعادها وقيمتها في إصلاح المنظومة التعليمية.
وأقف هنا عند بعض القضايا والإشكالات التي تثيرها مضامين وتوجهات المذكرة:n291 1-16
أولا – قراءة في مضامين المذكرة:
جاءت المذكرة تتويجا لعمل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الذي عينه أمير المؤمنين بتاريخ 12أكتوبر 2015، من أجل «تشخيص حالة المنظومة التربوية واقتراح السبل الكفيلة بتطويرها» (من 1. البعد الإجرائي للتدابير الأولية) وفي هذا السياق سطرت الوزارة خطة إصلاحية طويلة المدى ذات محورين وهدفين:
الأول: معالجة مجموعة من الإشكالات الملحة وذات الراهنية والتي لا تقبل التأخير في المعالجة في المدى القريب.
الثاني: توفير الشروط الضرورية للانخراط في الإصلاح الشمولي العميق للمدرسة المغربية في المديين المتوسط والطويل.
وقد انطلقت المذكرة من قناعة أساسية مفادها «أن كل برنامج إصلاحي للمدرسة المغربية لابد أن يراعي خصوصيات المنظومة التربوية وأن يأخذ بعين الاعتبار العلاقات التفاعلية بين مكوناتها الداخلية وخاصة بالنسبة للتدابير ذات البعد البيداغوجي، التي لا يمكن للإصلاحات التي تستهدفها أن تحقق الأثر المنتظر منها ما لم يتم تناولها وفق رؤية شمولية ومندمجة» وقد عرضت المذكرة منهج العمل القائم على:
- المقاربة التدرجية في أجرأة التدابير ذات الأولوية.
- الاعتماد على نظام المعلومات.
- ومبدأ التواصل والتعبئة.
- وآليات القيادة والتتبع.
أما من حيث المضامين: فقد تضمنت الجريدة مرفقا وسم ب» حافظة التدابير ذات الأولوية جاءت في تسع محاور أساسية كل محور يشكل أولوية في الإصلاح ويتفرع إلى مجموعة من الإجراءات والتدابير
المحور الأول: التمكن من التعليمات الأساسية ويتضمن تدبيرين أولهما تحسين المنهاج الدراسي في السنوات الأربع من التعليم الابتدائي وخاصة الكفايات الأساسية في القراءة والكتابة والرياضيات والتفتح، وثانيهما عتبات الانتقال بين الأسلاك 5/10 في الابتدائي و 10/20 في الثانوي الإعدادي.
المحور الثاني: التمكن من اللغات الأجنبية
ويتضمن تدبيرين الأول يتعلق بتقوية اللغات الأجنبية بالثانوي الإعدادي وتغيير نموذج التعلم من أجل «تحسين مستوى مكتسبات التلميذات والتلاميذ في اللغات الأجنبية من أجل تهيئتهم لمواصلة الدراسة أو الولوج للحياة المهنية.
الثاني المسالك الدولية للباكلوريا المغربية وخاصة في اللغات الأجنبية (فرنسية وإنجليزية وإسبانية) عبر تدريس بعض المواد بهذه اللغات
المحور الثالث: دمج التعليم العام والتكوين المهني وتثمين التكوين المهني.
ويتضمن أربعة تدابير ، الأول مسار اكتشاف المهن.
الثاني المسار المهني بالثانوي الإعدادي.
الثالث الباكلوريا المهنية.
الرابع تطوير منظومة التوجيه المدرسي.
ويتضمن هذا المحور / الأولية بتدابيره الأربعة في محاولة لتجاوز «التحديات التي يفرضها عدم التلاؤم المستمر بين التعليم ومتطلبات سوق الشغل» بما يسمح بتحقيق النمو الاقتصادي الذي انخرط المغرب فيه باختيارات وتوجهات استراتيجية تهم القطاعات (المغرب الأخضر والمخطط الأزرق و2020، ومخطط الإقلاع الاقتصادي ، والأوفشورينغ والقطاعات الصناعية (صناعة السيارات، والطاقات المتجددة)، لذا يعتبر التدبير المتعلق بالتوجيه المدرسي والمهني تدبيرا أساسيا ورافعة لتطوير خدمات التوجيه المدرسي والمهني.
المحور الرابع: الكفايات العرضانية والتفتح الفني ، ويقصد بها كل الأنشطة المدرسية الموازية (فنية وأدبية ورياضية) التي رغم كونها «مكونا تربويا حيويا وإلزاميا في مختلف المراحل التعليمية إلا أن النتائج المحصل عليها في هذا المجال لا تعكس حجم المجهودات المبذولة».
ولتحقيق هذا الهدف تم تفريعه إلى ثلاثة تدابير وإجراءات الأول عن مؤسسات التفتح بواسطة اللغات والأنشطة الثقافية والفنية، والثاني يتعلق بالمراكز الرياضية، والثالث بروح المقاولة والحس المقاولاتي.
المحور الخامس: تحسين العرض المدرسي وتتعلق بهذه الأولوية أربعة تدابير منها تأهيل المؤسسات التعليمية وتوسيع العرض المدرسي والمدارس الشريكة والتعليم الأولي.
المحور السادس: في التأطير التربوي والنهوض به جاء في تدبيرين: المصاحبة والتكوين المستمر، والرفع من جودة التكوين الأساس للمدرسين.
المحور السابع: في الحكامة ولتحقيقه سطرت له ثلاثة تدابير الأول في تدبير المؤسسات التعليمية والثاني في اللامركزية الفعلية والثالث في النظام الأساسي لمهن التربية والتكوين.
المحور الثامن: في شأن، تخليق الفضاء المدرسي
المحور التاسع: التكوين المهني: تثمين الرأسمال البشري وتنافسية المقاولة.
وتعتبر هذه المذكرة واحدة من المذكرات ذات البعد التشخيصي المهم إذ حاولت وضع اليد على كثير من مظاهر اختلال المنظومة التربوية ببلادنا، غير أنها أبقت على ثغرات وأسباب أخرى عميقة وجوهرية في الإصلاح.
ثانيا – ملاحظات عامة :
يبدو من خلال المذكرة مجموعة أمور سلبية:
أولا إيلاؤها الأهمية الكبرى للغات الأجنبية والتنصيص عليها في عدة محاور واعتبار ذلك أولوية، وتتجلى هذه الأهمية في توسيع تدريسها في الثانوي الإعدادي، والثانوي التأهيلي، وإحداث الباكلوريا الدولية في اللغات، وتدريس بعض المواد العلمية بهذه اللغات، واستندت المذكرة في تبرير ذلك إلى «أن النتائج المحصل عليها من لدن التلاميذ المغاربة في اللغات الأجنبية غير كافية، وتظل جد متدنية، وتطرح صعوبات للتلميذات والتلاميذ في متابعة دراستهم بمختلف الأسلاك التعليمية…» لذلك «فإن الأمر يتطلب تقوية تدريس هذه اللغات والتحضير للانتقال من طور تعلم اللغات الأجنبية إلى طور التعلم بواسطة هذه اللغات الأجنبية» (المحور2 التمكن من اللغات)، فعلا إنه تشخيص لواقع اللغات الأجنبية بالمغرب وتشخيص للحلول. لكن أليست قدرات التلميذات والتلاميذ في القراءة والتعبير الشفوي والكتابي باللغة العربية ضعيفة أو ربما أَضعف، إن ما شخصته المذكرة في حق اللغات الأجنبية ليصدق على اللغة العربية لغة البلاد الرسمية ولغة الهوية والتراث ولغة العلوم أكثر من صدقه على واقع تعليم اللغات ببلادنا، وإن الحاجة لإصلاح المنظومة التربوية والبرامج الدراسية بما يؤمن تحصيل جودة الاكتساب للغة الأمة لهو فعلا أولى الأولويات …
ورزمة من التدابير كهذه تفضي إلى مجموعة من النتائج السلبية:
- تهميش اللغة العربية وحصصها، وتكوين صورة ذهنية عامة ورأي عام يؤمن بأن اللغة العربية غير قادرة على الاستجابة للتحديات ولا هي قادرة حتى على الاستجابة لحاجيات الأفراد في التواصل والتعبير، فكيف يتشكل الوعي اللغوي والتشبت بالهوية الوطنية لدى ناشئتنا وهم يرون أن لغتهم ليست لغة العلم؟ وكيف لهم أن يتشبتوا باللغة العربية وهم يجهلون أبسط قواعدها وأساليبها؟.
- تكوين رأي عام معاد للغة العربية ومعاد للهوية المغربية التي انطلقت المذكرة من التنصيص على ضرورة «مراعاة خصوصيات المنظومة التربوية» فأي مراعاة للخصوصية إن لم تكن اللغة العربية هي واحدة من خاصة الخصائص وأمها. وأي هوية ستبقى للمغاربة بعد جيل أو جيلين؟! أليست اللغة هي محضن الهوية وخزان التراث، وأداة التفكير والإبداع العلمي؟ فهل تكون المذكرة بأولوياتها المرفوعة وتدابيرها الموضوعة معولا لإجهاض اللغة العربية في بلادنا ووأد الهوية المغربية ومحو تراث المغاربة الذين أسهموا فيه بإسلامهم ولغتهم العربية؟ إن المذكرة وهي تستشرف واقع اللغات ببلادنا وتضع هذه اللغات تحت العناية المركزة للتطوير والانتشار داخل مساحات واسعة من المقررات الدراسية وعلى امتداد 15 سنة مقبلة، بل داخل اهتمامات أبنائنا ووجدانهم لتصنع جيلا فارغا من المعرفة بلغته بله التعلم بها، وفارغا من الوعي بقيمتها بله الاعتزاز بها.
- التراجع عن مسلسل التعريب: إذ عمليا أصبحت كثير من المواد العلمية (رياضيات، وفيزياء، وعلوم الحياة والأرض، ومواد الشعب التقنية…) في الباكلوريا الدولية باللغات الأجنبية بل أكثر من ذلك فإن تدريس هذه المواد باللغة الفرنسية أصبح واقعا في التعليم الابتدائي… هذه القرارات التي تصدر عن الجهات الوصية تنقض القرار الوطني للتعريب وتدريس العلوم والفنون باللغة العربية، ول