الصدق مع الله.. جملة تختصر الطريق كله، وتختزل المراحل جميعها، تلك هي قضية القضايا.. ورأس الأمر كله.. فهل أنت من الصادقين..
كنت دائما أتساءل في نفسي: ترى كيف وصل رجل اسمه أبو بكر وآخر اسمه عمر بن الخطاب و… واللائحة طويلة جدا إلى ما وصلوا إليه بعد أن كانوا كما نعرف جميعا؟ ثم أقول لنفسي: دعك من هؤلاء.. فهم حالة خاصة.. ولكن كيف وصل آخرون كثيرون من غير طبقتهم إلى درجة الإمامة في العلم، ورُزقوا القبول الواسع بين الناس، وجعل الله لهم ذكرا حسنا، وثناء عطرا، ولسانا صادقا في الآخرين.. مع أنهم لم يكونوا أصحاب مال، ولا جاه، ولا سلطان..
إنه الصدق مع الله جل وعلا يا سادة.. وذلك سر بين العبد وربه.. فما حظي وحظك من هذا السر.. لقد كنت أسمع الناس عندما يرون شخصا مهيبا بدون سلطان، مسموع الكلمة من غير جاه، متبوع الرأي من غير مال، قد رُزق القبول الواسع، والعلم النافع، يعجزون عن تفسير ذلك ماديا فيقولون “فْلان عليه السَّرّْ” وإنما السر صدق العبد في التوجه..
دعني – أيها القارئ الكريم- أضرب لك مثالا برجل اسمه مالك بن أنس، رجلٍ أجمعت الأمة على إمامته وجلالة قدره، حتى قيل فيه سيد المسلمين، وحتى قال بشرالحافي: إن من زينة الدنيا أن يقول الرجل: حدثنا مالك.
هذا الرجل إنما بلغ ما بلغ بما قلتُ لك: سرٌّ بينه وبين الله سبحانه وتعالى، قال القعنبي: ما أحسب مالكاً بلغ ما بلغ إلا بسريرة كانت بينه وبين الله تعالى، رأيته يقام بين يديه الرجل كما يقام بين يدي الأمير.
وقال ابن المبارك: رأيت مالكاً فرأيته من الخاشعين، وإنما رفعه الله بسريرة بينه وبينه، وذلك أني كثيراً ما كنت أسمعه: يقول من أراد أن يفتح له فرجة في قلبه وينجو من غمرات الموت وأهوال يوم القيامة فليكن عمله في السر أكثر منه في العلانية وروي نحوه ع نمطرف.
وقال ابن وهب وكان أكثر عبادة مالك في السر بالليل والنهار حيث لا يراه أحد.
ألا ما أحوجنا إلى الصدق مع الله أفرادا وجماعات فيما نقوله ونفعله وندعو إليه، فإن الصدق يبلغ بصاحبه المبالغ، ولو صدقنا الله جل وعلا لكان خيرا لنا في الظاهر والباطن، والحال والمآل، والعاجل والآجل، “وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا” ف “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين”
ويرحم الله من قال:
لكن سر الله في صدق الطلب
كم ريء في أصحابه من العجب
د. امحمد العمراوي