سبق أن أشرت، في مقال سابق، إلى أنني حضرت، عام 2011، حفلا للأنشودة الإسلامية في بريطانيا، وكان المنشدون من أندونيسيا، ومن كندا وبريطانيا والولايات المتحدة. وقد فوجئت بطبيعة تلك الأنشودة ولونها، كلمات ولحنا وأداءا. وانتهى بي الحال إلى الإعجاب. صحيح أن بعض ذلك كان بسبب الفرح الذي انتابني، وأنا أرى قوما غربيين يمجدون الله تعالى. لكن الصحيح أيضا أنني كنت أقارن بين ما تقوله كلمات هذه الأناشيد، وبين الأناشيد العربية. كنت قد ألفت، منذ حوالي عشر سنوات من ذلك التاريخ، الأنشودة الإسلامية الهادفة التي شكلت بديلا للأغنية الهابطة، وذلك بكلماتها الجديدة ولحنها الجميل، وقد جمعتني رابطة خاصة مع بعض أعلام تلك الأنشودة، مثل أبي راتب. ولكنني وجدت شيئا جديدا في تلك الأغنية التي ضمها ذلك المخيم، وكأنما كنا أمام خطوة متقدمة، في الأنشودة الغربية. ولعلها كانت، بكلماتها، تستجيب لما تتطلبه اللحظة الحضارية في الغرب.
وفي رمضان من هذا العام 1436هـ، كنت أستمع إلى بعض الأغاني والأناشيد الدينية، بعضها لأعلام كبار، مثل عبد المطلب، ولكنني وجدت أن الكلمات لا تضيف إلى المستمع شيئا، وربما كان اللحن هو الذي يشفع لها. تقول إحدى تلك الأغاني:
يا شهر الصوم يا رمضان يا شهر التوبة والغفران
فيك الله أنزل القــــــــــــــــــــــــــــــــــــرآن علـــــــى طه النبي العدنان
إيقاع الأغنية بديع، وكثيرا ما يكون الإيقاع الجميل شفيعا للكلمات. وأحيانا لا نعرف مصادر الجمال في الأغنية أو النشيد، أهو اللحن أم الأداء أم الكلمات، وذلك مثل أغنية لور دكاش: (آمنت بالله)، ولكن لا شك أن وجود كلمات رفيعة يزيد النشيد أو الأغنية حسنا وجمالا.
ولو رجعنا إلى المقطع السابق الذي يتغنى برمضان لوجدنا معانيه تقريرية لا يجهلها أحد، حيث إن رمضان هو شهر الصوم، وأن رمضان هو شهر التوبة والغفران، (ومن المعتوه الذي قال غير ذلك؟)، وأن الله تعالى أنزل فيه القرآن على النبي محمد [. ما الذي علمتنا هذه الكلمات مما لم نكن نعلم؟
لا أريد أن أقول إن كل مدائحنا كلماتها فارغة المحتوى، ففي ذلك جناية كبيرة، وقصائد الملحون عندنا فيها من المعاني السامية، والإشارات البهية، شيء كثير. وكلنا يحفظ قصيدة: (الحرم يا رسول الله!). ولكن ما أردت أن أقول هو أنه ينبغي أن نتقدم في الميدان لا أن نتأخر.
ولأشرك القارئ في الاستمتاع، بهذه الكلمات وهي أغنية من أغنيات المغني الكندي المسلم داود علي ويرنزبي، (الحمد لله)، مما أنشده في ذلك الحفل البهيج:
الحمد لله
غناء داود علي ويرنزبي (كندا)
أنا صخرة فقط، ودائما أجلس وأنظر إلى السماء
أنام هنا تحت الشمس والمطر، ولا أسأل لماذا؟
لا أريد أن أكون طائرا، لأنني صخرة، و لم أكن لأطير
لكن يمكنك أن تجلس وتستريح علي عندما تمر هنا
الحمد لله، الحمد لله أنا صخرة
و هذا كل ما طلبه مني الله
الحمد لله، الحمد لله أنا مسلم
و ليس هناك شيء آخر أفضل أن أكونه
أنا شجرة فقط ، و هذه هي الحياة الوحيدة التي سأعرف
سأميل أغصاني وأعبد الله كلما هبت الرياح
وهدفي في الحياة هو أن أنمو، وكذلك قال الله لي
وأن أكون بيتا للطيور، وظلا للثعالب في الأسفل،
الحمد لله، الحمد لله أنا شجرة
وهذا كل ما طلبه مني الله
الحمد لله، الحمد لله أنا مسلم
وليس هناك شيء آخر أفضل أن أكونه
أنا شخص فقط، وحياتي مليئة بالفرص
أستطيع السفر عبر العالم، برا وبحرا،
لكن هل سأختار طريق الحق أم طريقا تضلني؟
أحيانا، أتمنى لو كانت حياتي بسيطة فقط، مثل الصخرة أو الشجرة
لكن الحمد لله، الحمد لله أنا شخص
والله أعطاني الاختيار الحر
إذن، الحمد لله، اخترت أن أكون مسلما
وليس هناك شيء آخر أفضل أن أكونه
الحمد لله، الحمد لله أنا شخص
والله اعطاني الاختيار الحر
اذن، الحمد لله، اخترت أن أكون مسلما
وليس هناك شيء آخر أفضل أن أكونه
لا، ليس هناك شيء آخر أفضل أن أكونه
هذه الأغنية، بالإضافة إلى إبداعها في الإيقاع والأداء، ترسخ كلماتها قيمة مهمة من قيم الإسلام، وهي أن كل مخلوق من مخلوقات الله، من الجماد والحيوان، مطبوع على الإسلام والانقياد لأوامره. إلا أن الفرق بين الإنسان وبين غيره من المخلوقات هو أنها مجبرة على الانقياد، ولا اختيار لها، وأن الإنسان وحده هو الذي خلقه الله تعالى حرا مختارا، ومن هنا تزداد سعادته عندما يختار طوعا أن يكون عبدا لله عز وجل.وكل مخلوق سعيد بأداء وظيفته، ولا يريد أن يتجاوزها، ولا يسأل حتى لماذا كانت تلك هي وظيفته، فالصخرة لا تطمع في أن تطير، لأنها لم تخلق لذلك، فهي تحمد الله تعالى على ذلك، ولو خيرت لما اختارت أفضل مما خلقها الله له. والشجرة أيضا تقوم برسالتها راضية، فهي تنمو ليستفيد منها الخلق، وهي تكون بيتا للطيور، كما تكون ظلا للثعالب، وهي قبل ذلك وبعده سعيدة بأنها أسلمت أمرها لله تعالى.
أما الإنسان فهو قد خلق حرا، يسافر أو يقيم، ويختار الطريق الذي يريد، ولكن المغني همه أن يختار في أسفاره طريق الهدى لا طريق الضلالة. وكثيرا ما يأتي على المؤمن حين من الدهر يتمنى لو كان صخرة أو شجرة، وذلك ما حدث لأمنا عائشة، ولعمر، ولعدد من الصحابة ]، فبعضهم تمنى أن يكون شجرا يعضد، وبعضهم تمنى أن يكون خروفا يذبحه أهله، وكل ذلك خوفا من ساعة الحساب. وهذا هو ما استثمره داود علي في أغنيته، لينتهي إلى أن المسلم يحمد الله تعالى على كل شيء، وعلى أن هداه للإسلام أولا، فتلك أعظم النعم.
د. حسن الأمراني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إشارة: ترجم النص يوسف الأمراني.