تداولت بعض المواقع الإخبارية والتواصل الاجتماعي مقطع شريط مصور لسيدة أميركية من ولاية ميشيغان خرجت للتظاهر ضد المسلمين رافعة لافتات عليها عبارات ضد الإسلام والمسلمين.
خلاصة ما دار في الحدث حسب ما يبدو من الشريط هو أنه بعد كلام طيب مع هذه السيدة المتظاهرة من قِبَلِ أحد الأشخاص انتهى الأمر بعناق بينها وبين سيدة مسلمة يبدو أنها خرجت من المسجد، ليختتم المشهد في الأخير بدعوة السيدة الأمريكية إلى دخول المسجد، فتستجيب بعد تردد، ثم تغادره بعد ذلك ومعها نسخة من القرآن الكريم، معبرة عن اعتذارها عن التظاهر، نظرا لما كان لديها من أفكار مغلوطة عن الإسلام وعن المسلمين، إذ لم تكن تظن أن الإسلام دين رحمة وإخاء، وأن المسلمين في حقيقتهم مسالمون ولطفاء حتى وهي تتظاهر ضدهم.
إن هذا الحدث يحمل عدة دلالات أبرزها:
1 – سحر الكلمة الطيبة: حيث إن أثر الكلمة الطيبة في النفوس لا يكاد يوازيه أي أثر آخر مهما كانت قيمته. حتى التصدق بالمال أو هبته لا يُحْدِث في الآخر الأثر الفعال إلا إذا رافقته الكلمة الطيبة، ولذلك أمر الله تعالى المسلمين بعدم المن والأذى في الصدقات لأنه يبطلها، فقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالاَذَى}.
لقد مدح الله تعالى الكلمة الطيبة في أكثر من مكان، منها قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُوتِي أُكْلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الاَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }.
ومدحها النبي [ بعدة أحاديث منها قوله [ : «… والكلمةُ الطيِّبة صدقة…»، بالإضافة إلى سلوكه [ الذي كان يفوح طيبا وعطرا، وفي مقدمة ذلك كلامه [.
ولذلك فإن الكلمة الطيبة مطلوبة في مخاطبة الناس ودعوتهم إلى الدين الحق. وتكفي الإشارة إلى النموذج النبوي الأسمى لكليم الله موسى [ حينما دعاه ربُّ العزَّة مع أخيه هارون إلى أن يخاطبا فرعون الذي ادّعى الألوهية بالكلام اللين الطيب، قائلا عز وجل: {اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}.
وفي هذه الأيام التي قست فيها القلوب وغلظت الأكباد وجفت العقول وتوترت الأعصاب، ورمى الكثيرُ من الأقوام الإسلامَ من قوس واحدة، بِمَن في ذلك بعض أبناؤه الذين تنكّروا له قولاً وفعلا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا … في هذه الأيام ما أحوجنا إلى الكلمة الطيبة التي تجمع ولا تفرق، التي تبني ولا تهدم، التي تداوي الجراح ولا تنكأها، التي تزرع البر والإحسان وتحارب الإثم والعدوان.
ما أحوجنا إلى هذه الكلمة في تواصلنا، في إعلامنا، وفي تعليمنا، وفي إدارتنا، وفي كل شيء يدور بنا.
2 – الإعلام وما رسخه في ذاكرة الناس من دعاوى الباطل عن دين الإسلام، أنه دين عنف ودم.. ولو انتبه القوم قليلا فقط إلى الأمور الشكلية العامة لوجدوا أن اسم هذا الدين مشتق من السلام، وأن تحية الناس فيه هي السلام، وأن من أسماء الله تعالى السلام، وأنه عز وجل يدعو إلى دار السلام، وإذا كان الشكل كذلك فإن الجوهر أسمى وأدل… ولذلك ليس هناك من شيء يعيد الحق إلى نصابه أحسن وأجدى من الكلمة الطيبة.
3 – الاستجابة لنداء الحق حينما يظهر نوره ساطعا: قليل من يستجيب إلى نداء الحق حينما يسطع نوره وتبهر حجته، والسبب إما أن يكون عائدا إلى المدعو حينما تتمكن الأقفال من القلوب ويحجبها العمى عن رؤية الحقيقة، { فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور}، وإما أن يكون عائدا إلى الداعي بسبب افتقاده إلى الكلمة الطيبة، إذ أن الحجة المقنعة لا تكفي إذا لم يكن الكلام الحامل للحجة طيِّبا ليِّنا
د. عبد الرحيم الرحموني