نوقشت يوم الخميس 22 رمضان 1436هـ الموافق 9يوليو 2015م، أطروحة دكتوراه في موضوع: «فقهُ الاحتجاجِ في السياسةِ الشرعية» تقدم بها الطالب الباحث خالد عجلان
العنوان «فقه الاحتجاج في السياسة الشرعية» في وحدة: تفسير الخطاب الشرعي، قضايا ومناهج ، بكلية الآداب. جامعة المولى إسماعيل بمكناس أمام لجنة علمية من السادة الأساتذة الدكتور. محمد سدرة. رئيس شعبة الدراسات الإسلامية بكلية الآداب بمكناس رئيسا والدكتور عبد الرحمن قشيش مشرفا ومقررا ، والدكتور عبد الحق حنشي عضوا، والدكتور الحسين العمريش نائب عميد كلية الشريعة بفاس مناقشا خارجيا، وبعد المناقشة والمداولة منحت اللجنة الطالب الباحث ميزة مشرف جدا.
وتعميما للفائدة ننشر مخترا عن التقرير العلمي الذي تقدم به الباحث أمام اللجنة العلمية:
أثارت حركةُ الاحتجاجاتِ الأخيرةِ في عددٍ من البلدانِ العربيةِ والإسلاميةِ جَدَلا واسعا بين العلماء والمفكرين حول أسبابها ومشروعيتها ومآلات أحداثها، وهو جدل ما زال يشغل بال الكثير منهم، ويحتلُّ مساحةً واسعة من تفكيرهم، ولم يكن سلاحُ الفقه بعيداً عن ميدان الصراع السياسيِّ وحلبتِه؛ فقد دار عراكٌ فقهيٌّ أفضى إلى مخاطرَ كبيرةٍ، وصلت إلى حدِّ المفاصلةِ العَقَديةِ بين بعض أبناءِ الأمة حول هذه الاحتجاجات، نتج عن ذلك جملة من التساؤلات منها:
ما مفهومُ الاحتجاجِ في فقه السياسةِ الشرعيةِ، وما هي الأسسِ والقواعد التي يرتكز عليها؟ ما هي مقاصدُ الاحتجاجِ وأهدافُه وغاياته المشروعة؟ ثم هل كلُّ وسائلِ الاحتجاجِ مشروعةٌ؟ وهل هناك ضوابطُ شرعيةٌ للاحتجاجات؟
هذه التساؤلاتُ وغيرُها حاول البحث الإجابة عنها بتناول نازلة الاحتجاج بالدراسة التأصيلية الفقهية، والفكرية المقاصدية، وتناول نازلةِ الاحتجاج من الأهمية بمكان للآتي:
1 – دور الاحتجاج على السلطة في صياغة الواقع السياسي والاجتماعي داخلَ الدولةِ الإسلامية على مدار التاريخ، ابتداءً من الاحتجاجات في زمن عثمانَ رضي الله عنه وحتى يومِنا هذا.
2 – أنَّ الاحتجاجاتِ أعمقُ من مجرد وسائلَ وأساليبَ للتعبير عن الرأي، فهي ترتبط بوجود الأمةِ وكينونتِها؛ لارتباطها بفريضةِ الأمر بالمعروف والنهيِ عن المنكر.
وقد هدف البحث إلى تقديم معالجةٍ فقهيةٍ تأصيليةٍ لمفهوم الاحتجاجِ، ودورِه، وضوابطِه، مع بيان معالمِ هذا الفقهِ المرتبطِ بالحقوقِ السياسيةِ والإنسانيةِ للفردِ داخلَ الدولة إسهاما في نشرِ الفكرِ الوسطيِّ المعتدلِ، الذي يجعلُ من الاحتجاجِ وسيلةً لدفع المظالمِ ومواجهةِ الفسادِ تحقيقا لمصالحِ الأمةِ، لا أن يصبحَ وسيلةَ هدمٍ ينفذ منها الحاقدون والمتآمرون على الأمة.
وقد خلص البحث إلى عدد من النتائج والتوصيات من أهمها:
1- مفهومُ الاحتجاجِ في فقه السياسةِ الشرعيةِ يدل على الأنشطةِ والفعالياتِ السلميةِ، الفرديةِ أو الجماعيةِ، الهادفةِ إلى تحقيق مصلحةِ مشروعةٍ، أو دفعِ مفسدةٍ، بما لا يتعارضُ مع مبادئِ الشريعةِ ومقاصدِها.
2- أن التشريع الإسلامي سبق الأنظمةَ المعاصرةَ إلى إقرارِ حقِّ الأمةِ في مراقبةِ السلطةِ ومحاسبتِها، تزامناً مع الخطُواتِ الأولى لنشأةِ الدولةِ الإسلاميةِ؛ بما يدل على أنَّ الدولةَ الإسلاميةَ، دولةٌ مدنيةٌ أسست لحقوقِ المواطنةِ من أولِ وهلةٍ لقيامِها.
الاحتجاجاتُ وسائلُ لغاياتٍ ومقاصدَ، والوسائلُ ليست توقيفيةً، فللوسائلِ حكمُ المقاصدِ، والسياسةُ الشرعيةُ تقتضي التوسعةَ على الشعوبِ في ابتكارِ وسائلِ المراقبةِ والمحاسبةِ.
3 – ورد الأمر التكليفيّ بالإنكارِ على المفاسدِ والمنكراتِ السلطويةِ بصيغِ الجمعِ، وجماعيةُ الإنكارِ اليومَ لا تتجسد في شيء ما تتجسّدُ في الاحتجاجاتِ السلميةِ، سواءٌ من خلال منظماتِ المجتمع المدنيِّ أو عن طريقِ العملِ الجماهيريِّ العام.
4 – مآلاتُ تحريمِ النقدِ والمعارضةِ بالطرقِ والوسائلِ السلميةِ، خطرٌ على الفكرِ والسلمِ الاجتماعيِّ وما يتسبب به من اشكاليات منها: الأولُ: اللجوءُ إلى العنفِ والتطرفِ، فتعمُّ الفوضى والدمار. الثاني: الخنوعُ والسلبيةُ المؤديانِ إلى فُشُوِّ الظلمِ وعلوِّ الطغيانِ والاستبدادِ. الثالثُ: التشكيكُ في صلاحيةِ الشريعةِ، وإفساحُ المجالِ أمامَ دعواتِ العلمانيةِ والإلحاد
5 – الاحتجاجُ لعزلِ الولاةِ والحكامِ المستحقينَ للعزلِ وسيلةٌ معتبرةٌ في فقه السياسةِ الشرعيةِ، فمَنْ يملك حقُّ التعيينِ له حقُّ العزلِ، عند توفرِ الأسبابِ وانتفاءِ الموانع، فالعقد بينَ الحاكمِ وبين الأمةِ في فقهِ السياسةِ الشرعيةِ، قائمٌ على مبادئِ القرآنِ والسنةِ من عدلٍ ومساواةٍ وحريةٍ وشورى، وما يقتضيه ذلكَ من بذلِ الجهدِ واستفراغِ الطاقةِ لتحقيقها، فإذا نقض الحاكمُ ذلك العقدَ أو انقلب على تلك المبادئِ؛ شرُع للأمةِ عزلُه.
6 – منهجُ سلفِ الأمةِ الذين قالوا بتحريمِ حملِ السلاحِ على الظالمينَ لم يكنْ مداهنةً للسلطةِ أو رضاً بظلمِها؛ بل اقتضتهُ مصلحةُ الأمةِ، مع تمسك السلف رحمهم الله بالعملِ السلميِّ الذي مارسوه على أوسعِ نطاقٍ، وتعرضوا بسببه للسَّجنِ والضربِ والموت.
وخلص البحث إلى عدد من التوصيات منها:
1 – التأكيد على ضرورةُ وضعِ قواعدَ منهجيةٍ للبحثِ والدراسةِ في مجالِ الفقهِ السياسيِّ الإسلاميِّ عموماً وفقهِ الاحتجاجِ خصوصاً، تقومُ على إعمالِ مقاصدِ الشارعِ في حفظِ الحقوقِ والحرياتِ، وإعلاءِ مبادئِ الإسلامِ السياسيةِ، المتمثلةِ في سيادةِ الشرعِ قانوناً، والأمةِ مرجعيةً .
2 – قيام المجامعِ الفقهيةِ الإسلاميةِ بإدماجِ مفاهيمِ الاحتجاجِ وضوابطِه ضمنَ أحكامِ النصيحةِ والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ؛ حتى يكونَ عملاً غائِياً مقاصدياً، وتصحيحُ مفاهيمِ مصطلحاتِ البغيِ والخروجِ ووضعُها في سياقِها الصحيحِ، وفقاً لمدلولاتِها اللغويةِ والشرعيةِ.
ويأتي البحث هذا في إطار محاولة المعالجة الفقهية الشاملة لموضوع الاحتجاج، تأصيلا للمفهوم، وبيانا للأهمية والدور، وتقعيدا للضوابط، فتحويل فقه النوازل إلى مجرد فتوى أهي حلال أم حرام؟ نوع من التبسيط المخلّ بفقه القضايا والنوازل؛ لا تحكمه الموضوعية، ولا يثمر مقصدا ومآلا.
وفي الوقت ذاته فأعمال المكلفين ما لم تكن سعيا لحقيق المصالح المعتبرة شرعا، منضبطة بضوابط الشريعة، تحكمت فيها دواعي الهوى ونوازع الشهوات، فتصبح عبثا وفوضى.