عبد الحميد صدوق
الإنسان مخلوق مميز عن سائر الكائنات، بما أودع الله فيه من العقل، والروح، وسائر الملكات، فلا يليق به أن يعيش على الشراب والطعام كماهو الشأن عند الحيوان، ولكن الإنسان خلق لغاية أسمى، ووظيفة أعلى، قال تعالى : {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}(الذاريات : 56)، والعبادة أمرٌ إلهي لا ينتهي، قال تعالى : {واعبد ربك حتى ياتيك اليقين}(الحجر : 99). وهذه هي أحب العبادة إلى الله، عن عائشة رضي الله عنها قالت : «وكان أحبُّ الدِّين إليه -يعني رسول الله – ماداوم صاحبه عليه»(متفقه عليه).
واعتبر الإسلام المواظبة على الطهارة والصلاة والعبادة كالجهاد في سبيل الله. قال [ : «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا : بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط»(رواه مسلم).
وإذا انعقدت نيّة المداومة والاستمرار على العبادة، فإن الأمر لا ينقطع ولو تعطل العمل بمانِع شرعي، قال [ : «إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحاً»(رواه البخاري).
وبالسمع والطاعة، والانقياد والاستجابة يسهل الله على العبد أمر العبادة. عن أبي هريرة ]قال : لما نزلت على رسول الله [ : {لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} الآية. اشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله [ فأتوا رسول الله ثم بَرَكُوا على الركب فقالوا : أيْ رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق : الصلاة والجهاد والصيام والصدقة، وقد نزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها. قال رسول الله [ : «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا؟ بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير» فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم نزل في إثرها : {… وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير} فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل عز وجل : {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}»(رواه مسلم).
إن هذا النص يفيد ظاهره أن الذي يجتهد في العبادة في رمضان وينقطع عنها بعد رمضان فهو يقول بلسان حاله: كلفنا ما لا نطيق، وبالتالي يقول: سمعنا وعصينا.