كِتَابُنا -كما اصطلح السلف على تعريفه- هو كتاب الله الذي أنزله على نبيه محمد [، المكتوب في المصاحف، المنقول عنه بالتواتر، المتعبد بتلاوته.
كِتَابُنا هو الكتاب الوحيد في تاريخ الإنسانية كلها الذي نُقل مسطورا منذ أن كتب في عهد رسول الله [، وبعد أن جُمع هذا المكتوب في عهد أبي بكر ]، ونقل محفوظا بالسند الصحيح للرواة الثقات على امتداد هذه القرون من تاريخ الإسلام، فلا تجد كتاباً في الكَوْن نُقل بهاتين الطريقتين على مدى قرون، وبذلك فهو أصح كتاب وأصدق نص على سطح هذه الأرض، فهو الكتاب العزيز الذي {لَّا يَاتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حميد}(فصلت: 41).
كِتَابُنا ينطق على الجميع بالحق، في هذه الحياة وفي الأخرى، {هذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ، إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}(الجاثية: 28)، فطوبى لمن تمسك به بالحق، وجعله إماما يهتدِي به في الظلمات.
كِتَابُنا فيه ذكر للجميع، ولكل شيء: {لَقَدَ اَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُم، أَفَلَا تَعْقِلُونَ}(الأنبياء: 10)، {مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ}(الأنعام39) «كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَاُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ»(رواه الترمذي والدارمي والبغوي).
كِتَابُنا يجمع بين الدِّين وبين الدنيا، بين الدنيا وبين الآخرة، بين الروح وبين المادة..
كِتَابُنا يستحضر المؤمنُ به التقوى والإيمان بالغيب والإحسان في كل شيء، ابتداءً من الدخول إلى الخلاء، إلى تنظيم العلاقات الدولية في السياسة والاقتصاد.
كِتَابُنا يُتعبد به في الصلوات وبتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وتُعتمد تشريعاته في الحياة الفردية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
كِتَابُنا هو الكتاب المعجز في أسلوبه ولفظه؛ نظمُه عجيب، وتناسقُه فريد، وبيانُه سامٍ، تجد فيه آيات التقوى إلى جانب آياتٍ في الحُكْم أو الاقتصاد أو السياسة، وآيات التَّفكُّر والتدبُّر إلى جانب آيات الكون والخَلْق وآيات التاريخ والآفاق، وتجد الآيات الآمِرة بالحفاظ على الصّلاة إلى جانب الآيات المرتبطة بالحياة الزوجية والآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر،، وهكذا،، مِمّا يدل على أن الكون وما فيه من خَلْق يخضع لنظام بديع الصُّنع والخَلْق، وأن هذا الإنسانَ الذي هو من هذا الخَلْق، مع ما عليه من حُسن التقويم {لَقَدْ خَلَقْنَا الاِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}(التين: 4)، ينبغي أن يعيش وفق هذا الخلْق البديع المتكامل في الكون الذي خُلِق من أجله {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ}(الجاثية: 12).
كِتَابُنا كان هو الأساس في نشوء حضارة الإسلام العظيمة التي عاشتها شعوبٌ مختلفةُ الألسنة والألوان والأعراق، لكنها توحَّدت بنعمة الإيمان فأصبحت أُمَّةً واحدةً، دينُها الإسلام، ولسانها العربية، وقِيمها قيمٌ حضارية إنسانية سامية، وزاد ذلك رِفعةً وسُمواً أن هذه الشعوب احتفظت بكثير من خصائصها الثقافية والاجتماعية واللسانية، فتلاقح كلُّ ذلك في نسَق اجتماعي وثقافي وعلمي عجيب، لم تشهد له البشرية مثيلا، وتحقق فيهم قول العلي القدير: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}(الحجرات: 13)، وبنفحات هذه الحضارة قامت حضارات أخرى أشرقت شمسها بفضل نور حضارة الإسلام، وإن الحضارة الإنسانية الحقَّة القائمة على العدل والمساواة لن تتحقق من جديد إلا بتحكيم هذا الكتاب.
فهنيئا لأهل القرآن بالقرآن..
وهنيئا لهم لأنهم حملوه وحفظوه ورَوَوْهُ وتدبروه وتدارسوه، وقبل ذلك وبعده عملوا به، فكل هذه الأحوال من أحوال أهل القرآن،
وهنيئا لهذه الأمة التي ميَّزها الله تعالى بهذا الكتاب العزيز.
ثم هنيئا لبني الإنسان عموما في الكون بهذا الكتاب الذي هو ذكرٌ للعالمين وهديٌ لبني البشر أجمعين.
وهنيئا لنا في بلدنا الغالي هذا بما ميز الله تعالى أهله بحفظ كتابه قديما وحديثا..
وهنيئا لشبابنا حفَظة القرآن الكريم الذين أحرزوا على جوائز عالمية في حفظ كتاب الله العزيز..
فالحمد لله على نعمة القرآن.. ونسأله تعالى أن يوفقنا جميعا للعمل بكتابه وتدبُّر آياته..