مازلت أذكر أنه ما يزيد عن عقدين من الزمان، كنت قد تابعت برنامجا على إحدى القنوات الفرنسية ضَيَّفَ باحثة فرنسية تحمل لقب «أستاذة» (Professeur) وكان موضوع حلقة البرنامج يَدُور حول تأنيث عدد من الألفاظ الفــرنسية التي لا مــؤنث لها، كلفظ الــوزير (Le Ministre) والـــدكتور (Le Docteur) والطبيب (Le Medecin)، وطبعا أيضا لفظ (أستاذ) الذي تحمله الضيفة لقبا لها. كــــــان رأْيُ الضيفة صريحا، حيث كــانت ترى ضـــــرورة تأنيث هذه الأسماء، إما قياساً على مـا يماثلها نحــو (Directeur – directrice) (programmeur- programmeuse) أو البحث عن ألفاظ أخرى تكون مؤنثا لها، وبالنسبة للضيفة فقد أصَرَّت على صاحب البرمانج أن يؤنث لقبها بقوله “Mme la professeuse” اعتقاداً منها أنه الأصوب وأن فيه حفظا لكرامة أنوثة المرأة بلْ و”مساواة” لها بالرجل، حيث يكون لها أسماؤها وألقابها المؤنثة الخاصة بها، كما للرجل أسماؤه وألقابه المذكرة الخاصة به.
لم أنْس هذه الحلقة التي مضى عليها ربع قرن من الزمن أو يزيد، وما كنت لأنساها لما فيها من خصوصية، وإثارة لقضية يجعلها البعض حساسة لما يزعم أن لها ارتباطاً بقضية “المساواة” بين الرجل والمرأة، وأن هذه “المساواة” المزعومة تقضي التسوية في اللغة أيضا، بإلغاء صِيَغ التأنيث، فنقول للمرأة كما نقول للرجل «رئيس ووزير وعضو ومدير، ودكتور وعامل، وفلاح وميكانيكي وهكذا..» وليس هذا من قبيل التقول الزائد، بل نراه ونقرؤه ونسمعه، فمن منا لم يقرأ لاَفِتَةً كُتِبَ عليها «الدكتورُ فلانة» ومن منا لم يقرأ ولو على شاشات التلفزة «فلانة رئيس كذا.. أو عضُو كذا» ومن منّا لم يسْمع عن محاورات وبرامج بل وندوات ينادي فيها من يُنادي بضرورة حذف المؤنث من اللغة مساواةً للمرأة بالرَّجُل.والمقصود طبعا هو اللغة العربية التي تُمَيِّز بين المذكر والمؤنث في الأسماء والصفات والألقاب، وطبعا حتى الخطاب، فخطابُ المؤنث ليس هو خطاب المذكر كما هو معروف، الأمر الذي يعطي للعربية تميُّزاً عن لغات أخرى، بوجود صيغ التأنيث في جميع الحالات ولا يكاد يستثنى من هذه القاعدة إلا حالات نادرة تحيل على ما يحمله اللفظ من دلالة على المساواة وفي مقام تعتبر فيه المساواة مطلوبة في الحقوق والواجبات، إنه مقام الزوجية، حيث يطلق لفظ زوج وجمعه أزواج على الرجل والمرأة معا دون تمييز، هذا هو الأفصح، وبه نطق القرآن الكريم، وإن كان التأنيث جائزاً ووارداً في نصوص. وكما يقال زوج فلان، يقال امرأته أيضا، لكن مع فارق، إذ أن إطلاق لفظ الزوج تعبير عن قمة التناسب المثالي، في الزواج مودة ونسلا وإخلاصا وتعاونا ونحو ذلك، بينما يطلق لفظ امرأة، حينما يختل ركن من هذه الأركان، وطبعا ليس هذا حطّاً من قيمة المرأة، بل تعبيراً عن استقلالها وشخصيتها، فكما يكون الزوج رجلا، تكون الزوج امرأة. هذا غيض من فيض من دقائق اللغة العربية في التعبير عن المذكر والمؤنث، فكيف نسمح لأنفسنا بالقول إن العربية ذكورية في خطابها؟!
د. عبد الرحيم الرحموني