يضبطون إيقاع شهاداتهم التي يريدونها علمية كلما جمعتهم لقاءات وطنية أو دولية بحقوقيين غربيين فتأتي على لسانهم بثقة واضحة في النفس كلمة «حسب تقارير دولية». ويدرك المرء إلى أي حد استحوذ الاستلاب على بعض قلوب مثقفينا حد اعتبار المؤسسات الغربية المهتمة بشهيقنا وزفيرنا، فضاءات للقداسة المطلقة. وكم أشعر بالأسى لنجاعة السحر الأشقر الذي تغلغل في مسام هؤلاء المثقفين حد استعراض راهنية معلوماتهم بكل ثقة في أمانة المصدر.
أسى عميق لكون الطفرة المعلوماتية المذهلة عرت كل المستور وكل خداع التحركات الدولية للمؤسسات الرسمية والرديفة المصطلح على تسميتها بالمجتمع المدني، كما تمخضت متابعات وسائط الاتصال عن تقارير فاضحة لسلوكيات زعماء وأقطاب هذه المؤسسات الوالغين في الاحتيال والتلاعب بالقضايا الإنسانية وقضايا الشعوب.. وأسفرت تقارير سرية عن مواخير للصفوة إياها للمتاجرة بالنساء وضمنهن القاصرات اللواتي تؤثث بهن حفلات خاصة ومهرجانات ومسابقات دولية، واستعراضات لعروض أزياء وملكات جمال ناهيك عن الخراب المعمم الذي أحال العالم العربي إلى فسيفساء من دم وتراب بسبب سياسات استعمارية للجيل الجديد من لصوص الشعوب، وضع تردت فيه المرأة إلى الدونية المظلمة للعصور الوسطى.. نساء شريدات بين المنافي بسبب الحروب، ونساء مخلدات في العبودية المطلقة بفعل هذه الأنشطة الدولية المشبوهة والتي ذكرنا من بينها عروض موضة وعروض مسابقات رقص وغناء وحركات للتهريب السري لآلاف النساء بين الغرب والشرق بحجة العمل في الخدمات التي ليست إلا دعارة عابرة للقارات في خليط مأساوي تشحن فيه الصغيرات العذراوات الحسناوات إلى السلخانة ليستنزفن حتى آخر قطرة عرق. وحين تعرض هذه الوضعية المخزية للمرأة على أنظار هذه الشبكات الحقوقية فإنها تغضب وتحرر غضبها مجموعة احتجاجات وكفى، لكنها تصبح عدوانية وبأنياب حادة حين يتعلق الأمر بقضايا نسائية ذات جغرافية إسلامية، والأدهى حين يرافق هذه القضايا حراك وتطارح لأفكار ذات توجه ديني آنذاك تصبح تلك القضايا أعجل من الملف النووي الإيراني وتصطنع لها سيناريوهات دولية تتجاذب الإنارة فيها وكالات أخبار غربية عالمية تقلب فيها النظر لتخلص إلى أن جوهر المشكل هو المد الظلامي والتهديدات الموجهة لمشروع الحداثة والقيم الإنسانية الكونية والاستناد إلى نصوص نكوصية هي نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة إلخ!!
وفي السياق فقد قالت سيدة مغربية من رموز الحركة النسائية في معرض حديثها مؤخرا أمام وفود حقوقية غربية عن واقع المرأة المغربية أن هناك مقولات تساهم في تردي هذا الوضع وذكرت ضمن هذه «المقولات» (النساء ناقصات عقل ودين) والحال أنها مجتزأة من حديث نبوي شريف. وهذا الكلام دليل على أن هذا السحر الأشقر العملاق لا راد لمفعوله الذي يجعل بعض أبنائنا يصدق فيهم قوله تعالى في سورة الزمر {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون}، سحر يجعل البعض يتنافسون بحجة استعراض واقعنا في المنتديات الدولية وتطلعهم إلى تغيير هذا الواقع، في إدخال الغرباء إلى غرف نومنا وتعرية نسائنا قطعة قطعة على أنغام الموسيقى الخليعة ورفقة الكلمات الإباحية ليدفعوا أولئك الغرباء للتعاطف مع نسائنا وجر كل رجالنا إلى حبل المشنقة، خصوصا منهم أصحاب اللحى..
والطامة أن هذا السحر الأشقر يعمي أعين بني جلدتنا تماما عن جيوش جرارة من الأمهات العازبات والمعنفات في الغرب انقلبن إلى شاذات أو نساء وحيدات لغياب الرجال حتى ليصح فيهم المثل المغربي العميق العريق (كون الخوخ يداوي كون داوى راسو).
وختاما فإن الزين اللي فينا حقا هو ما يقض مضجعهم؛ زين الأوتاد المتأبية على الاقتلاع أوتاد الحصن الروحي التي تعيدنا إلى قواعد الرشد سالمين، لذلك سيطول سعارهم وسيتخذ ألوانا شتى.. وقد أضحكني ضحكا هو البكاء بتعبير آخر حين قرأت خبر اعتبار وزارة الأوقاف المصرية لهيأة علمية يسيرها علماء مسلمون معتبرون بأنها كيان إرهابي، وليس هذا القرار إلا من إفرازات هذا الحراك الموجه عن بعد ضد النبض الإسلامي الصحيح.
وإذا استمر هذا الإيقاع فإن هذا الجمال الحق المتمثل في دين الإسلام ، لن يستطيع الصمود طويلا إذا تواصل تمدد البشاعة إلى ما لا نهاية في غياب أو ضمور صوت الحق. وبالمناسبة فمخرج فيلم «الزين اللي فيك» الذي أساء إلى أسماعنا وأبصارنا من جهة فإنه من جهة أخرى، أحسن إلينا في ديننا من حيث لا ندري وإن لم يقصد المخرج إياه ذلك، لأنه جعلنا أمام مرآة واقع مريض منفلت من مبضع الدعاة، واقع البيع والشراء في الأعراض وواقع الشذوذ الذي يصيب بالسكتة بمجرد النقر على كلمته في وسائط الاتصال حيث يستعلن شباب مسلمون بشذوذهم وهم يمارسون الرذيلة الشاذة أمام الكاميرا.
ومن النباهة أن نسائل أنفسنا إلى أي حد تقلص صوت التبليغ حتى غدت عروض الجنس أطغى على فضاء الكاميرا؟؟.. وقد عبر العالم الكبير محمد الغزالي عن هذا الواقع من خلال قولة ثاقبة تدعونا إلى الصبر بكل تأكيد وللعمل الصالح والثبات في مواقعه وهذا هو الأهم.
يقول الشيخ الجليل: «هناك ساعة حرجة يبلغ فيها الباطل ذروة قوته ويبلغ الحق ذروة محنته، والثبات في هذه الساعة الشديدة هو نقطة التحول».
ذة. فوزية حجبـي