رمضان شهر القرآن.. هكذا هو في ألسنتنا.. فهل هو كذلك في واقعنا.. عندما تفتح كتاب ربك تقرأ فيه أن الله تعالى أنزل القرآن في رمضان.. قال تعالى {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}(البقرة: 185) وعندما تنظر في سنة نبيك \ تجد أن جبريل \ كان يجعل من رمضان شهرا لمدارسة القرآن مع سيدنا محمد [، وذلك في كل ليلة من لياليه، ففي الصحيح عن ابن عباس، قال: «كان رسول الله [ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله [ أجود بالخير من الريح المرسلة»
بيْد أن أمينَيْ الوحي جبريل ورسول الله عليهما السلام ضاعفا القراءة، وزادا في المدارسة، في رمضان في السنة التي توفي فيها النبي [، ففي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي [، فقال النبي [ : «مرحبا بابنتي» ثم أجلسها عن يمينه، أو عن شماله، ثم أسر إليها حديثا فبكت، فقلت لها: لم تبكين؟ ثم أسر إليها حديثا فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن، فسألتها عما قال: فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله [، حتى قبض النبي [، فسألتها فقالت: أسر إلي: «إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي». فبكيت، فقال: «أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة، أو نساء المؤمنين» فضحكت لذلك»
ولقد سار السلف على هذه السنة الحميدة، فكانوا يقرؤون القرآن في رمضان أكثر منه في غير رمضان، ويضاعف الواحد منهم قراءته في هذا الشهر الكريم.. ويتخلص من كل ارتباطاته والتزاماته وأعماله الأخرى ويتفرغ لقراءة القرآن.. يتلقى عن الله تعالى .. يسمعه يكلمه.. ينصت إليه يخاطبه.. يتدبر آياته.. يحاول أن يفهم عنه.. فيكون من الفائزين..
هكذا كان جمع من الصحابة والتابعين والفقهاء...
قال ابن الجزري: روينا عن ابن مسعود ] أنه كان يقرأ القرآن في غير رمضان في الجمعة وفي رمضان في ثلاث،
كان الإمام الزهري إذا دخل رمضان يَفِرُّ من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، ويُقبِل على تلاوة القرآن من المصحف.
وكان سفيان بن سعيد الثوري أمير المؤمنين في الحديث.. كان إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة، وأقبل على قراءة القرآن.
قال ابن رجب رحمه الله: كان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع منهم قتادة، وبعضهم في كل عشرة منهم أبو رجاء العطاردي، وكان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها.. كان الأسود يقرأ في كل ليلتين في رمضان –يعني ختمة- وكان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة وفي بقية الشهر في ثلاث… وكان قتادة يدرس القرآن في شهر رمضان، وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام.
قال ابن عبد الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف، قال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري: إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن…، وأضاف رحمه الله ـ أعني ابن رجب ـ: وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناما للزمان والمكان وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة وعليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره.
هذه مجرد أمثلة ذكرناها للتحفيز فلنجعل من رمضان فعلا شهر القرآن ترتيلا وتدبرا وقياما وعملا ومدارسة.
د. امحمد العمراوي
رئيس جمعية العلماء خريجي جامع القرويين