عن سهل ]، عن النبي [، قال: «إن في الجنة بابا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد»(رواه البخاري ومسلم). وفي رواية النسائي وابن خزيمة : «من دخل شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا».
أحببت أن أذكر بهذا الحديث النبوي الشريف، ليكون محفزا للصائمين في هذا الشهر المبارك، وقد تجلت فيه العناية الإلهية بعباده إذ جعل لهم بابا خاصا للجنة لا يدخله إلا الصائمون، رحمة بهم، ونجاة لهم من النار، فما على المؤمن إلا أن يقبل ويسرع لعله يظفر بهذا الجزاء العظيم، وطوبى لمن ناله؛ لأنه حاز السعادة الأبدية.
1 – مفاهيم الحديث ومضمونه:
الريان : بفتح الراء وتشديد الياء، اسم علم على باب من أبواب الجنة خصه الله تعالى بالصائمين، فمن دخله ارتوى لا يظمأ مكافأة له؛ لكونه ظمئ من أجل الله تعالى في الدنيا. وجاء هذا المعنى صريحاً في قوله [ : «ومن دخله لم يظمأ أبدا»(رواه الترمذي). قال القرطبي: اكتفي بذكر الري عن الشبع؛ لأنه يدل عليه من حيث إنه يستلزمه. وقال الحافظ ابن حجر: أو لكونه أشق على الصائم من الجوع.
إن في الجنة: ولم يقل للجنة ؛ ليبين أن في الباب نفسه نعيماً عظيماً للصائمين الداخلين منه، ولا ينال هذا النعيم غيرهم.
يدخل منه الصائمون: المقصود بالصائمين هنا؛ من أدوا الصوم الواجب ثم استكثروا من نوافله حتى غلب عليهم. قال السندي: قوله: الصائمون، أي المكثرون الصيام لمن يعتاد ذلك، لا لمن يفعله مرة. والظاهر أن الإكثار لا يحصل بصوم رمضان وحده، بل يزيد عليه صيام النوافل في مختلف المناسبات، وبذلك يحصل الاستعداد الروحي لصيام شهر رمضان على أحسن وجه.
فالحديث دليل على عظم أجر الصوم؛ حيث خصه الله تعالى من بين كثير من العبادات بأن جعل له بابا لا يدخل منه للجنة إلا الذين صار الصوم صفة ملازمة لهم. ولا عجب في ذلك. فإن الصيام عبادة جليلة، يشتغل فيها البدن والروح بطاعة الله. قال ابن رجب: فالصائم في ليله ونهاره في عبادة. وقال رسول الله [ : «من صام يوماً في سبيل الله، بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً»(متفق عليه). فما بالك أيها المسلم إذا صمت شهرا كاملا في سبيل الله جل وعلا.
2 – إرشادات تربوية لاستقبال ضيف الرحمن :
لهذا الحديث فوائد روحية جمة، يستحسن التزود بها لاستقبال رمضان على أكمل وجه. أذكر منها:
1 – أن الرسول [، يشوق المؤمن للقاء رمضان والاستعداد له، لعله يكون من الصائمين الذين يدخلون الجنة من باب الريان، فيستقبله بفرح وسرور لتشوف نفسه إلى معانقة مغفرة الله ورحمته، فيتهيأ له بتطهير قلبه مما علق به من الأمراض. فالقلب لا شك يمرض بالذنوب والبعد عن الله رب العالمين، فيحتاج إلى دواء وعلاج ليحيا من جديد، وتنبعث فيه تقوى الله وخشيته، ذلك أن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد إذا أصابه الماء، تصدأ بالغفلة عن الله جل جلاله، والانغماس في الشهوات. والكيس من جعل صيام رمضان فرصة لغسل قلبه من الدنس، فتصفو نفسه، وتطهر روحه ويصلح عمله، فيعظم أجر صيامه ويفوز بجنة الرضوان.
2 – في الحديث رجاء لنيل الجائزة التي خص الله تعالى بها الصائمين، فدخول الجنة يحتاج إلى الاستمتاع بطاعة الله لتحقيق معنى الصيام لا صورته، فالرجاء هو ذاك الشعور الدائم بالخوف من ضياع أجر الصيام، وهو الإقبال التام على الله بالدعاء والذكر وقراءة القرآن الكريم. فرمضان وسيلة لتقوى الله عز وجل، قال تعالى: {لعلكم تتقون}(البقرة : 183). والتقوى هي أن يجعل الصائم الطاعة حاجزا بينه وبين النار، قال رسول الله [ : «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار..«(متفق عليه). والمحروم حقا من حُرم مغفرة الله في هذا الشهر.
3 – هجر التقصير والإهمال لأوامر الله، فشهر رمضان موسم لزراعة العمل الصالح، فليتجنب الصائم النوم والخمول، وضياع الوقت في اللهو واللعب والحديث في أعراض الناس. وللأسف الشديد، كثير من الناس يجعلون شهر رمضان موزعا بين النوم، ومشاهدة التلفاز، ولعب الورق، والتسوق وغير ذلك من الاشتغال بأمور الدنيا. فينسى قول الرسول [ : «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»(متفق عليه). فالمقصر كأنه يعلن لله تعالى أنه لا يريد أن يغفر له، ولا يريد أن تمحى ذنوبه، إنها الغفلة عن الله، لهذا ابتلينا بالمنافسة على الدنيا ونسيان الآخرة. فطوبى لمن تذكرها في هذا الشهر، وتزود لها بجمع الحسنات التي ضاعفها الله بفضل رمضان وبركاته. فقال عز وجل في حديث قدسي : «.. إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به.. »(متفق عليه). إنها نعمة عظيمة من الله الرحمن الرحيم.
4 – جعل الصوم عبادة ملازمة للمؤمن، ومنهج له للسير إلى الله، وفي الحديث “لا يدخلها إلا الصائمون”؛ يفيد الاستدامة على الصيام حتى يصبح جزءا من حياة العبد، فيبتعد بواسطته عن الجانب الطيني فيه، ويهتم بالجانب الروحي. قال رسول الله [: «إن في الجنة غرفاً تُرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها» فقام أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله؟ قال : «لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى لله بالليل والناس نيام»(رواه الترمذي). وليجعل المسلم شهر رمضان، شهر قراءة القرآن الكريم وتدبره؛ لأنه غذاء للروح ومشكاة لها، فيغوص في معانيه، ويعيش بين آياته، ويتأمل قصصه، ووعده ووعيده، فتدمع عينه تارة ويلين قلبه تارة أخرى، يرى الأمم الماضية حاضرة عنده، ويتذوق مع الأنبياء صبرهم ونصحهم وابتلاءهم، ويستنبط الأحكام، ويستفيد الفوائد، فتنشرح النفس ويسكن القلب. وكان جبريل عليه السلام، يدارس النبي [ القرآن في رمضان كل ليلة، وما فعل ذلك إلا لنقتدي به في هذا الشهر المبارك.
5 – الصبر على الشهوات وفتن الدنيا، فشهر رمضان مدرسة لتعلم الصبر وتقوية الإرادة؛ فيه نصبر على الجوع والعطش لنرتوي، ونصبر على الإغراءات والملذات، احتسابا لله عز وجل وطمعا في دخول جنته عندما ينادى أين الصائمون؟ وقد سمي رمضان “شهر الصبر” على أهواء النفس، وعقد العزم على الانضباط، والإسراع في فعل الخيرات. كان [ في رمضان “أجود بالخير من الريح المرسلة»(رواه البخاري). ففي رمضان تفتح مجالات الخيرات، والمشاريع الإيمانية، فيبقى على الناس التنافس والمسابقة تطبيقاً لقوله تعالى: {سارعوا إلى مغفرة من ربكم}(آل عمران:133). فأهل الغنى بأموالهم، وأهل العلم بتعليمهم وإرشادهم، وسائر الناس بما قدروا عليه من أوجه الطاعات، فيتنافس أفراد الأسرة فيما بينهم على قيام الليل، وصلة الرحم كما نشاهد في أكثر البيوت والحمد لله تعالى، ومن رحمة الله سبحانه ولطفه أن جعل أوجه الطاعات كثيرة تناسب كل الأفراد فلا يغبن أحد.
ذ. محمد البخاري
—-
المصادر
- صحيح البخاري
- صحيح مسلم
- سنن الترمذي
- سنن النسائي
- صحيح ابن خزيمة
- اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، محمد فؤاد بن عبد الباقي.
- فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني
- مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، للمباركفوري
- لطائف المعارف فيم لمواسم العام من الوظائف، لا بن رجب