قراءة في كتاب – الهوية العربية والأمن اللغوي : إ شكالات وقضايا ومقترحات


صدر للدكتور عبد السلام المسدي كتاب جديد بعنوان: «الهوية العربية والأمن اللغوي: دراسة وتوثيق» من إصدار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات قطر، في طبعته الأولى يوليو 2014، في 443 صفحة، وهو ثاني أهم الكتب التي يصدرها الدكتور في المسألة اللغوية العربية بعد كتابه «العرب والانتحار اللغوي» الذي قدمنا قراءة فيه في المحجة عددي 406 و407 بتاريخ أكتوبر ونونبر 2013، وما هي أهم الإشكالات التي نبه إليها في الكتاب؟ وما علاقة الهوية العربية بالأمن اللغوي؟
أولا – صرخات الكاتب هل لها من صدى:
يعتبر هذا الكتاب في نهاية المطاف صرخة أخرى لكنها موثقة توثيقا جديدا وما فتئ الكاتب يردد كل مرة ما يدل على عظم المسؤولية وخطورة الموقف، ولنستمع إليه وهو يقول : «لن يندم العرب على شيء كما قد يندمون يوما على أنهم لم يلبوا نداء لغتهم وهي تستجير بهم منذ عقود أن أدرِكوني، هتفت بهم همسا منذ أيام الاستعمار، ثم صاحت عند انقشاع غمته، وها هي لا تبرح تشكو وتستغيث» (ص. 12)، ولعل السبب في ذلك أن وجود أي أمة واستمرارها رهين بلغتها ومدى اعتزازها وتعزيزها للغتها، يقول المؤلف: «إنه لا غنى للعربية عن أبنائها، ولا غنى للعرب عن لغتهم، قد يصدق الأمر على كل الألسنة، ولكنه على لغة الضاد وأهلها أصدق منه على سائر اللغات في كل الثقافات، ففي العربية مآل أهلها، وعلى مآل العرب مآل لغتهم، ذلك هو الذي عندنا وليس عند غيرنا» (ص. 14-15).
وهذا الارتباط العضوي بين العرب والمسلمين وبين اللغة العربية هو ما جعل الدكتور المسدي يربط أيضا بين الخسران الحضاري وبين خسران اللغة، يقول في هذا الصدد : «لن يفلح العرب في كسب رهان التاريخ لا بواسطة اللغة الأجنبية ولا بواسطة لهجاتهم العامية، ولو أرادوا أن يفعلوا ذلك بالأولى لظلوا تابعين طول الدهر، ولعجزوا أن يصيروا يوما متبوعين، ولو شاءوا أن يفعلوا ذلك بالثانية لتراكم عليهم التخلف عقودا»
ثانيا- من قضايا الكتاب :
1 – اللغة والثقافة والمجتمع والمعرفة:
هذه من أهم الثنائيات (اللغة والثقافة، اللغة والمجتمع، اللغة والمعرفة) التي يسعى المؤلف إلى إبراز علاقة التواشج بينها من خلال المعطيات العلمية والتاريخية والواقعية يقول مشددا على العلاقة بين اللغة والثقافة «اللغة العربية هي أبرز مظاهر الثقافة العربية، وأكثرها تعبيرا، وأثرا بوصفها وعاء الوجدان القومي، فلا ثقافة قومية بدون لغة قومية، فالمناطق الثقافية كبراها وصغراها إنما يربطها بعضها إلى بعض الوحدة اللغة اللغوية بالدرجة الأولى» (ص. 71)، وفي الترابط بين اللغة والمجتمع نجده يقرر أن «بين اللغة والمجتمع علاقة متبادلة صميمة؛ فلا لغة تتحرك بدون مجتمع يتحرك، ولا مجتمع يتحرك بدون لغة حركية تماثله وتواكبه، واللغة العربية لهذه الأسباب جميعا تتصل بعدة ميادين ثقافية هي من أكثر الميادين خطرا وشأنا: ففيها الخصوصية القومية والوحدة السياسية والتراث، والاستمرارية الثقافية وحيوية الفكر العلمي، والإبداع الأدبي» (ص.71)، وليس هذا فحسب وإنما العلاقة عضوية بين كل من الثقافة والمجتمع والمعرفة جميعا ولا يمكن فصل الواحد عن الآخر دون إحداث اختلال في منظومة الهوية وفي كل عنصر من عناصر هذا التركيب، يقول مؤكدا هذه الحقائق: «ليس من شك أن الثقافة تستدعي علما بها، وأن المعرفة تقتضي الدراية بمنظومتها وإحكاما للغتها: كيف تتأسس، وكيف تنمو، وكيف يعبر عنها، واذا انعطفت هذه على تلك كان علم الثقافة، وكان علم المعرفة، وكان علم اللغة، فإذا باستراتيجية الثقافة هي في جزئها الأكبر استراتيجية للمعرفة وللغة التي بها المعرفة» (ص. 68)، ونظرا لهذا الترابط بين مفاهيم الل%