الخطاب القرآني خطاب إنساني، موجه إلى الرجال والنساء على حد سواء، إلا ما تبين بالدليل أنه يخص أحد النوعين الذكر أو الأنثى وعليه فإن المرأة ممن توجه إليهم الأمر في قوله تعالى : {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون}. وإن من يتدبر آيات كتاب الله تعالى ويطلع على أحاديث رسول الله [ يتبين له أن المرأة والرجل يتساويان في الأجر والثواب على العمل وفي المواخذة والعقاب على الكسل. قال سبحانه : {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مومن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا} وقال تعالى : {للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} وقال عز وجل : {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض}.
قال ابن حزم : “وهذا كله في عموم الدنيا والآخرة لأنه لم يأت بتخصيص شيء من ذلك قرآن ولا سنة” كما أن أحكام النفقات يتبين منها أن المرأة تجب عليها نفقة نفسها إذا طلقت أو مات عنها زوجها، كما تجب عليها نفقة أبويها الفقيرين وما لا يتحقق الواجب إلا به فهو واجب. ومقتضى هذا أن المرأة مطالبة بالعمل والجد فيه على مقتضى الشرع، وعملها طاعة لله وعبادة. وقد شاركت المرأة على عهد رسول الله [ في الدعوة الإسلامية وفي مختلف مجالات العمل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وكان [ يحضها على العمل ويحفزها على المشاركة فيه، وقد كان عمل المرأة يتسم بالجدية والصدق مع الله عز وجل، وكان خروجها له لا تشوبه شبهة ولا شائبة من تعرض لأي إثم.
ومجتمعاتنا اليوم في حاجة ماسة إلى عمل المرأة، ومساهمتها في عملية التنمية إلا أنه على النساء أن يعلمن أن الله عز وجل أناط بالمرأة مهمة هي أولوية الأولويات وهي إعداد الإنسان الذي يدير عجلة التنمية. كما أن الله عز وجل ميز شخصية المرأة عن شخصية الرجل وأناط بها من المهام ما لا يلائم خصائصها الذاتية وأن قيامها بمهام الرجل أو بعضها يجعلها تكتسب بعض خصائصه وهذا يؤدي بها إلى تشوه شخصيتها وتكون صراع داخلي بين خصائص نظرتها وبين ما تكلفته من خصائص الرجل فلا تستقيم حياتها ولا تستقر أوضاعها ولا يستقيم حال الأسرة ولا حال المجتمع.
وعليه فإن على المجتمعات ألا تحرم نفسها من طاقات النساء الخلاقة وجديتهن ومواهبهن، وأن تفسح لهن المجال للعمل في الأعمال التي تلائم أنوثتها ولا تضر بصحتها ولا تخدش حياءهن أو تمس عرضهن.
ومن الغريب أن تغرق بعض النساء في المطالبة بالمساواة مع الرجل في ولوج ميادين للعمل تفقدها الطمأنينة والتوازن والاستقرار الفكري والوجداني، مما يؤثر على جو السكينة في البيوت والاستقرار والأمان للمجتمعات. ومن الغريب أن لا تنتبه المجتمعات إلى الآثار السلبية الناتجة عن انخراط النساء في أعمال على خلاف مقتضيات الشرع وأحكامه رغم ما أفرزته من أضرار بالمجتمعات وسببته من أخطار ساهمت في تخلفه وانحطاطه. وعليه فإن عمل المرأة لا بد أن يكون مشروطا.
أولا : بألا يتعارض مع أحكام شريعتنا السمحة في حليته، وجواز قيام المرأة به ليكون طاعة من الطاعات التي تمارسها.
ثانيا : أن يلائم طبيعة المرأة وفطرتها التي خلقها الله عليها.
ثالثا : ألا يحرمها من أداء مهمتها الأساسية الإنجاب والتربية ورعاية الأسرة.
رابعا : ألا يكلفها من المشاق ما لا تطيقه، ويحملها من المسؤوليات مالا تتحمله، ويؤدي إلى تقاعس الرجل عن القيام بواجباته.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل. وصلى الله على سيدنا محمد بدءا وختاما.
د. نعيمة بنيس(*)
—————
(*) عضو المجلس العلمي المحلي لفاس
أستاذة بكلية الشريعة سابقا