عن أبي رافع صاحب رسول الله قال : (ضاف النبي ضيفا، ولم يكن عنده شيء يصلحه، فأرسل إلى رجل من اليهود : «يقول لك محمد رسول الله : أسلفني دقيقا إلى هلال رجب». قال : لا إلا برهن، فأتيت النبي ، فأخبرته فقال : «أما والله إني لأمين من في السماء وأمين من في الأرض، ولئن أسلفني أو باعني لأؤدين إليه»، فلما خرجت من عنده نزلت هذه الآية : ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا. كأنه يعزيه عن الدنيا) تفسير ابن كثير 4/382
سبحان الملك، هذا رسول الله عليه الصلاة والسلام سيد ولد آدم، وأحب الخلق إلى الله جل وعلا، ثم هو ذا لا يجد دقيقا في بيته يطعم به ضيفه، ويرسل إلى يهودي يستسلفه منه فيأبى إلا برهن. ما أهون الدنيا على الله عز وجل وما أحقرها، ومن حقارتها احتاج فيها أنبياؤه وخيرته من خلقه، بل صح في كتب السير أن النبي أضر به الجوع حتى ربط الحجر على بطنه، وأخرجه الجوع من بيته، ويمر عليه الهلال والهلالان ولا توقد في بيته نار، ورغم كل ذلك لم يعترض ولم يبد تأففا، بل كان في غاية الرضا ومنتهى التسليم. ثم انظر إلى حالنا اليوم، أغلبنا عنده من القوت ما يكفيه السنة بل السنوات، ولا تسمعه إلا شاكيا حظه، ساخطا على الدنيا التي ما أنصفته إذ أغدقت من نعمها وخيره على غيره وحرمته، وهو يسخط حقيقة على مولاه، فهو الذي يعطي ويمنع، وما أوتي هذا وأمثاله إلا من قبل تطلعهم لما عند الآخرين، ونسيان ما عندهم من النعم التي ربما لا يجدها من هم دونهم، وهذا هو الداء الذي يسري في القلوب فيفتك بها، ويأتي على البقية الباقية من ذرات القناعة فيها.
فهلم أخي إلى بستان القناعة وانعم بظلاله الوارفة، واسرح بين أزهاره وتنسم أريجها، فهناك الروح والريحان والسعادة والاطمئنان.
فا للهم قنعنا بما رزقتنا وبارك لنا فيه. آمين.