الشعراء فُرسان القول، وشِعرهم مَجْمع الحِكم، فلقد روي عن الرسول أنه قال: ” إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا وَإِنَّ مِنَ الشَّعْرِ لَحِكَمًا”. ورُوي عن أحد البلغاء الحكماء قوله: “كل حكمة لم ينطق بها نبيّ ذَخَرها الله حتى تنطق بها ألسنة الشعراء”
ومن حِكَمِهم ما قالوه في الابتسامة ودورها في الذات والآخر فرداً كان أم جماعة.
قال أحدهم مبينا أن الابتسامة تجعل صاحبَها محبوبا دائما، بينما العَبوس لايحظى بأي شيء من ذلك على الإطلاق، بل إن الناس يبغضونه. قال:
أَخُو البِشْرِ مَحْبُوبٌ عَلَى حُسْنِ بِشْرِهِ وَلَنْ يَعْدَمَ البَغْضَاءَ مَنْ كَانَ عَابِسَا
وقال آخر في نفس المعنى تقريبا مُشبِّها أثر الابتسامة في الآخر بأثر الماء العذب في الأرض اليابسة، إذ أنه بمجرد مايرويها يجعلها حدائق مخضرة ناضرة، قال:
تَبَسَّمْ بِوَجْهِ المَرْءِ يُكْسِبْكَ وُدَّهُ فَلَيْسَ طَلِيقُا لوَجْهِ يُشْبِهُ عَابِسَهْ
فَأَحْيِ وُجُوهَ النَّاسِ مُبْتَسِمًا لَهُمْ كَمَاءٍ جَرَى سَحًّا بِأَرْضٍ يابِسَهْ
فَتَزْدَانَ هَاتِيكَ الحَدَائِقُ نضْرَةً فَتُضْحِي عَرُوسًا كُلَّ لَوْنٍ لَابِسَهْ
ووصف شاعر آخر فتىً بمجموعةٍ من الخصال والفضائل فجعل البِشْر في مقدمتها نظرا لأهميته، ذلك أن الابتسامة أول ما يظهر من المرء عند اللقاء، فقال:
فَتًى مِثْلُ صَفْوِ المَاءِ أَمَّا لِقَاؤُهُ فَبِشْرٌ وَ أَمَّا وَعْدُهُ فَجَمِيلُ
يَسُــرُّكََ مُفْتَرًّا وَيُشْرِقُ وَجْهُهُ إِذَا اعْتَلَّ مَذْمُومُ الفِعَالِ بَخِيلُ
عَيِيٌّ عَنِ الْفَحْشَاءِ أَمَّا لِسَانُهُ فَعَفٌّ وَأَمَّا طَرْفُهُ فَكَلِيلُ
وجعل شاعر آخر البِشْر تاجًا لكل فِعال، إذ أن الفِعل الجميل لا يمكن أن يكون تامّا إلا إذا كان صاحبُه طليقَ الوجه، ومما قاله:
لَنْ تَسْتَتِمَّ جَمِيلاً أَنْتَ فَاعِلُهُ إِلاَّ وَأَنْتَ طَلِيقُ الْوَجْهِ بُهْلُولُ
مَا أَوْسَطَ الخَيْرَ فَابْسُطْ رَاحَتَيْكَ بِهِ وَكُنْ كَأَنَّكَ دُونَ الشَّرِّ مَغْلُولُ
وبيَّن شاعر آخر كيف أن الابتسامة والإصْرار عليها والاستمرار فيها تطفئ كل الأحقاد والضّغائن، فقال:
بتبسُّمي أطفأتُ ألفَ ضَغينةٍ وزرعْتُ في قلب العَليل وِدادَا
مُتجهِّم القسَمات كَم لاطفتُه لأسلَّ مِن أضلاعه الأحْقادَا
بينما ربط شعراء آخرون بين الابتسامة وبين القِرى الذي يُقدَّم للضيف، بل إن أحدهم جعل الابتسامة هي كلّ القِرى، فهو يستقبل ضيفه بالابتسامة والضحك، حتى وإن كان بيته جديبا خاليا من كل طعام، فالكرَم لايكون في الطعام وكثرته فحسب، ولكن قبل ذلك وبعدَه في طلاقة الوجه، قال أحدهم:
أُضَاحِكُ ضَيْفِي قَبْلَ إِنْزَالِ رَحْلِهِ وَيَخْصبُ عِنْدِي وَالْمَحَلُّ جَدِيبُ
وَمَا الْخِصْبُ لِلْأَضْيَافِ مِنْ كَثْرِةِ الْقِرَى وَلَكِنَّ مَا وَجْهُ الْكَرِيمِ خَصِيبُ
ولقد صدق لله دَرُّه، إذ أن الطعام إذا قُدّم للضّيف بوجه عابس كان ذلك مدعاة إلى نُفوره وانقباضه، ولذلك قال شاعرٌ آخر جامعاً بين قِرى الأكل وقِرى الابتسامة:
بشاشةُ وجه المرء خيرٌ من القِرى فكيف الذي يأتي به وهو ضاحكُ
كلّ هؤلاء مِنَ الشعراء القدماء الذين تحدثوا عن الابتسامة ودورها الكبير في صاحبها وفي من يلقاه. ولم يبتعد الشعراء المحدثون من هذا المنحى، ولعل أبرز من أدلى بدلوه في هذا الباب الشاعر”إيليا أبو ماضي” في قصيدته المشهورة “ابتسم”، التي نظمها في صورة خطاب توجيهي لشخص مفترض يأبى إلا أن يكون عبوسا متجهما متذرعا في ذلك بعدد من الأسباب، فكان مما قاله فيها:
قَالَ السَّمَاءُ كَئِيبَةٌ وَتَجَهَّمَا قُلْتُ ابْتَسِمْ يَكْفِي التَّجَهُّمُ فِي السَّمَا
قَالَ الصِّبَا وَلَّى فَقُلْتُ لَهُ ابْتَسِمْ لَنْ يُرْجِعَ الأَسَفُ الصِّبَا الْمُتَصَرِّمَا
قَالَ الْعِدَا حَوْلِي عَلَتْ صَيْحَاتُهُمْ أَأُسَرُّ وَالأَعْدَاءُ حَوْلِي فَي الْحِمَى
قُلْتُ ابْتَسِمْ لَمْ يَطْلُبُوكَ بِذَمِّهِمْ لَوْلَمْ تَكُنْ مِنْهُمْ أَجَلَّ وَأَعْظَمَا..