إن الله تعالى أكرم عباده ببعثة نبيه العظيم محمد ، إذ أقامه لهم أسوة حسنة يبصرهم بالطريق المطلوب سلوكه حتى يصلوا إلى ما فيه صلاحهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة، لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجواْ الله واليوم الآخر. من هنا وجبت العناية بالسيرة العطرة وبفقهها خدمة وتلقينا وتدريسا. وأحق الناس وأحوجهم أن يعلم ويدرس سيرة النبي الكريم وفقهها ناشئتنا، خصوصا في مرحلة التعليم الأساسي، لكون هذه المرحلة مرحلة بناء النفوس وصوغ الشخصيات وتحديد الأفكار والاتجاهات. ولأن ذلك يمكن من :
< تعريفهم بنبيهم عليه صلوات الله وسلامه.
< غرس محبته في نفوسهم.
< تقديم أسوة حسنة للاقتداء بها.
< تبصيرهم بأهم فترة زمنية في تاريخهم.
< صون الهوية الإسلامية في نفوسهم.
< إكسابهم مهارات وخبرات للتعامل في الحياة، وتوسيع مداركهم ومعارفهم.
< غرس القيم وتقويم السلوكات.
بيد أننا –ومع كل تلك الأهمية- نلحظ تقصيرا بينا في توصيل السيرة وفقهها لهذه الفئة. فعلى صعيد المناهج التعليمية نجد بعض المناهج تقتصر على تدريسهم السيرة فقط دون ربطها بفقهها ومواطن العبرة منها إلا قليلا، وهذا يضعف تأثيرها جدا. بينما نجد مناهج أخرى مقصرة جدا في تدريس السيرة أصلا بله فقهها وعبرها، ومنها المنهج التعليمي المغربي، حيث لا يدرس التلميذ المغربي خلال اثنتي عشرة سنة يقضيها في مرحلة التعليم الأساسي سوى 28 ساعة فقط. إلا من سلك في السنة الثانية بكالوريا مسلك العلوم الإنسانية.
أما على صعيد المؤلفات الموجهة إلى هذه الفئة فإننا نجد كتابات حاولت تبسيط أحداث السيرة. لكن في السيرة وفقهها قد لا نجد، حيث إن كتب فقه السيرة المؤلفة والموجودة بين أيدينا لا تناسبهم. إذ ينبغي أن نستحضر أننا نتحدث عن ناشئة، في مرحلة عمرية معينة، يمثلون جيلا جديدا، بثقافة جديدة، ونمط تفكير جديد، في واقع جديد، واقع الفيسبوك والانترنت والهواتف الذكية، يتكلمون خطابا جديدا، يعيشون عصر السرعة والصورة والتقنية، فهم إذن يحتاجون من المربين خطابا جديدا ملائما، وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه، ليبين لهم.
لذا أقترح مؤلفا يراعي الفئة المستهدفة وخصائصها النفسية والعمرية، فيصاغ لها بأسلوب سلس بسيط مناسب وشائق، بحيث يستطيع جذبهم إليه، ولا يجدون صعوبة في استيعابه والتعامل معه. مواصفاته كالآتي:
أ-من جهة الأحداث:
اختيار الألفاظ السهلة البسيطة، والتراكيب الواضحة السلسة:
< تبسيط عرض الأحداث والوقائع: فتصاغ بأسلوب معاصر دون التقيد بالأسلوب الذي رويت به من طرف الأقدمين.
< تلخيص الأحداث بذكر خلاصتها التي لا يسع المسلم جهلها.
< حسن الترتيب: حتى تنطبع الأحداث متسلسلة في ذهن الناشئ.
< استخدام تقنيات الكتابة القصصية: لصياغة الأحداث بطريقة شائقة رائقة تأخذ بلب المتلقي.
< تدعيم المواضيع بصور حية: فالصورة تنقل من الرسائل ما لا تنقله الكلمات.
< اشتراك باحثين مختلفي التخصصات: علوم: شرعية، لغة الطفل، الاجتماع، علم نفس الطفل، التربية، الديداكتيك، أدب الطفل، فن الصورة، وغيرهم ممن قد تدعو الحاجة إليهم لإنتاج مؤلف متميز قادر على التأثير في نفسية المتلقي وجذبه إلى مطالعته.
< إعادة صياغة مواضيع السيرة بعيدا عن النمط المعهود: نمط الإيذاء والحروب، فتقدم سيرة النبي المشرقة بمختلف جوانبها الوضاءة الرائعة! تظهر النبي العظيم في بيته ومسجده وشارعه ودولته ومعركته ومجلس قضائه وبين رفاقه وخلانه ومختلف مواقفه.
وعليه فأقترح أن تصاغ السيرة على شكل مواضيع وأبواب مختلفة.
ومن العناوين المقترحة:
> الحياة الشخصية للرسول العظيم : ويتناول هذا الباب النسب الشريف، والمولد والنشأة واليتم والعمل، والحياة الأسرية (الزوجات والأبناء والأحفاد) ثم المرض والوفاة.
> الوصف الخِلقي للنبي الكريم .
> بعثة النبي ودعوته: يتحدث عن مبدأ الوحي ومراحل الدعوة: السرية فالجهرية، والعقبات التي لاقاها، وبعض صور الإيذاء التي تعرض لها، ورحلة الطائف والإسراء والمعراج، والهجرات: هجرتي الحبشة فالهجرة إلى المدينة ووقائعها وما سبقها من بيعتي العقبة.
> غزوات النبي : وتذكر فيه أهم الغزوات والسرايا.
> معجزات النبي : فُيقدم للنشء طرف منها، وبطريقة تقوي الإيمان وتثبت النفوس على الدين الحق.
> عبادة النبي : يتكلم هنا عن تشريع العبادات من صلاة وزكاة وغيرهما مع ذكر تواريخها.
> أخلاق النبي وحسن تعامله: نصور هنا الجانب الاجتماعي في حياته عليه الصلاة والسلام، وسلوكه الراقي في معاملته أصناف الناس، كالأطفال والشباب والشيوخ والنساء والأبناء والزوجات والجيران والجاهلين وغير المسلمين والفقراء والأغنياء والملوك والأصدقاء والأعداء وغيرهم.
> شباب حول النبي : نذكر هنا أصحابه، ونركز على تضحياتهم وسمو هممهم وعلو مبادئهم وأخلاقهم، مع لفت انتباه ناشئتنا أن أولئك الصحب كانوا شبابا قريبين من سنهم وقتئذ.
> حقوق النبي الكريم : نبين فيها حقوق نبيهم عليهم من حبه وطاعته وتعظيمه وغيرها.
ب- من جهة فقه السيرة ودروسها:
يراعى الأسلوب البسيط، والألفاظ الواضحة المباشرة في صياغة الدروس.
تصاغ على شكل نقط واضحة مركزة، بعيدا عن الصياغة الإنشائية الطويلة، بحيث تذكر الفوائد بشكل مباشر دون حشو واستطراد، في أقصر عبارة وأوضحها.
تُترك الفوائد التي لا تدخل ضمن اهتمامات الناشئة، مثل بعض الفوائد الأصولية والأحكام الفقهية.
يذيل كل حدث أو واقعة بالدروس والقيم المستنبطة. ليسهل ربط الحدث بفائدته، وحتى تتكون لديه ملكة استنباط العظات من الأحداث التي تمر أمامه.
التركيز على القيم التي يحتاجها الناشئة أكثر، سواء منها القيم المعروفة كالصدق والأمانة والصبر والوفاء ونحوها، أو القيم التي أصبحت ملحة في هذا العصر من قبيل التخطيط والمبادرة والإدارة وحل المشكلات والحوار…
ذكر الامتدادات السلوكية الواقعية لتلك القيم في حياة الناشئة، بإعطاء بعض الأمثلة الواقعية الحية التي يحتاج فيها إلى تطبيق تلك القيمة التي تعلمها، حتى يدرك أنه يتعلم للحياة، وأن ما يُلَقنه ليس أمرا مثاليا.
الحرص على إبراز شمولية الإسلام لجميع مناحي الحياة، فيكون في ذلك هدم للفكرة العلمانية بطريقة حية واقعية.
المزج في الصياغة بين الخطاب العقلي المنطقي الذي ينمي عقله وفكره ونظرته للإنسان والحياة والكون، والخطاب الإيماني الوجداني الذي يلامس قلبه، ويحرك عاطفته، نحو نبيه ودينه وتاريخه، ويمده بطاقة إيمانية تساعده على تطبيق ما تعلم.
وصلى الله على نبيه وآله وصحبه.
الأستاذ. يونس بوعوام (أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي – سلا)