ذ. محمد بن شنوف
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : (كَانَ الرَّجُلُ فِى حَيَاةِ النبي إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النبي. فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا عَلَى النَّبِىِّ قَالَوَ كُنْتُ غُلاَمًا شَابًّا عَزَبًا، وَكُنْتُ أَنَامُ فِى الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ. فَرَأَيْتُ فِى النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِى فَذَهَبَا بِى إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِىَ مَطْوِيَّةٌ كَطَىِّ الْبِئْرِ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَي الْبِئْرِ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ – قَالَ – فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ فَقَالَ لِى لَن تُرَعْ. فَقَصَصتهَاعَلَى حَفْصَةَ فَقصتهَا حَفْصَةُ عَلَى النبي فَقَالَ النَّبِىُّ: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ». قَالَ سَالِمٌ فَكَانَ عَبْدُاللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً .(متفق عليه).
انطلاقا من هذا الحديث الشريف الذي رواه الشيخان، تعال ــ أيها القارئ الكريم ـــ نقف مع هذه اللحظات الثمينات، ومع تلك الدقائق الغاليات, لنتلمس و نتحسس فضائل أهلها الذين هم صفوة الناس حقًا. أولئك أصحاب الفجر، وأهل صلاة الفجر، أولئك الذين ما إن سمعوا النداء يدوي، «الله أكبر، الله أكبر، حي على الصلاة، حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم »، حتى هبّوا وفزعوا وإن طاب المنام، وتركوا الفرش وإن كانت وثيرة، ملبين النداء.
فخرج الواحد منهم إلى بيت من بيوت الله تعالى وهو يقول :(اللهم اجعل في قلبي نورًا, و في لساني نورًا، واجعل في سمعي نورًا, واجعل في بصري نورًا, واجعل من خلفي نورًا، ومن أمامي نورًا، واجعل من فوقي نورا ) فما ظنكم بمن خرج لله في ذلك الوقت، لم تخرجه دنيا يصيبها، ولا أموال يقترفها، أليس الملبي للنداء هو أقرب إلى الإجابة وأحظى بالقبول؟ أليس حريا به أن يستغفر الله فيغفر له؟ أليس جديرا به أن يتوب فيقبل الله توبته؟ أليس له وعد من الله إن سأله ليعطينه مسألته، وإن تاب ليتوبن عليه، وإن استغفر ربه ليغفرن له؟ أليس أهلا ليكتب من المتقين المحسنين الذين أثنى عليهم ربنا في كتابه العزيز فقال عزوجل : إن الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (الذاريات :15/17) إن أهل الفجر لهم ثناء جميل، لا أقول سطرته وسائل الإعلام باختلاف أشكالها، ولا أقول نظمته قوافي الشعراء في موازين أبياتها، ولا صدحت به حناجر المداحين فيوصف محبوبها، فهم ليسوا بحاجة إلى أن ينشر لهم عمل، ولكنه ثناء أعظم وأجل ، ثناء مسطور في رق منشور، ثناء تكلم به الرحمن جل جلاله ، وحسبك بثناء من عند الله تعالى، ومن أحسن من الله حديثا؟، ومن أصدق من الله قيلا؟ طبعا لا أحد؛لأنه ثناء من مدحه زين و ذمه شين، فبشراكم ذلك الثناء يا أهل الفجر، ألم يقل ربنا عز وجل لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولاتطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطًا (الكهف) وقال سبحانه: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودًا (الاسراء) وقرآن الفجر: صلاة الفجر.
وفي الصحيح عن أبي هريرة أن النبي قال: «وتجتمع ملائكة الليل والنهار في صلاة الفجر»،وفي الصحيحين عنه أن النبي قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر, فيعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بكم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون». فسبحان من جعل لعباده : معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله الرعد :11 وإن أهل الفجر كانت صلاتهم لهم ستارًا من النار، و سبيلاً إلى جنات النعيم؛ ففي صحيح مسلم من حديث عمار بن رؤيبة أن النبي قال: «لن يلج النار أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس و قبل غروبها رواه مسلم.
وأهل الفجر تضاعف لهم أجورهم بأن يكونوا كمن قام الليل كله، ففي صحيح مسلم من حديث عثمان بن عفان أن النبي قال: «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قاما لليل كله»رواه الترمذي .
أهل الفجر في ذمة الله تعالى وجواره، كل يوم وليلة، فماظنكم بمن كان في جوار الله تعالى، وأنتم ترون الناس يطمئنون ويأمنون أشد الأمن حين يكون أحدهم في جوار عظيم من عظماء الدنيا، فلمن كان في جوار الله لهو أشد أمانًا واطمئنانًا.
ففي صحيح مسلم من حديث جُندَب بن عبد الله أن النبي قال: «من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء؛فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم» رواه مسلم .
وإن أهل الفجر لما لم تمنعهم ظلمة الليل من أن يمشوا فيها إلى بيوت الله تعالى كان من جزائهم أن يسيروا في نور تام يوم القيامة، فعند أبي داود و الترمذي من حديث بريدة الأسلمي أن النبي قال: « بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة». فكيف يكون حالنا مع الله إذا اختلت الموازين؛ وإن صلاة الفجر لهي ميزان للإيمان وأمارة من أمارات صدق صاحبها، وإن كل تعجب ممن أظهر أمارات الالتزام وله مع الطيبين ذهاب وإياب، ثم هو مفقود في صلاة الفجر، لا تكاد تراه إلا في فترات متباعدة، فأي التزام هذا، وهو لم يأخذ بصاحبه إلى أن يكون من أهل الفجر؟!.
إن صلاة الفجر لايشهدها إلا صفوة الناس، لذلك كانت تلك الصلاة أشدّ صلاة على المنافقين كما قال : «ليس صلاةأ ثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا»رواه البخاري. وبعد هذا وذاك ــ أحباب رسول الله ــ ماذا يقول ذلك الذي آثر فراشه معرضًا عن نداء ربه عز وجل؟! ماذا يقول وقد فوّت على نفسه ذلك الفضل العظيم؟! في حين تراه خلف سقط المتاع يلهث من صبحه إلى مسائه ! لا يفرط في دينار ولا درهم من متاعه ! ماذا يقول وهو يقيم الوقت الطويل في السهر الضائع، وجلسات اللهو واللعب؟! وإلى تلك الدقائق الغالية من دقائق الأسحار، تقصر الهمم عن الخوف من يوم تشخص فيه الأبصار، فما أحوج الغافل إلى أن يتدارك نفسه بالاستذكار والاعتبار.
بعض ما يستفاد من الحديث :
1 ــرغم صغر هذا الصحابي إلا أنه كان يتمنى الخير، و يحترق على ذلك، حتى إنه في إحدى الروايات يقول: لو كان فيك خير (يعني نفسه) لرأيت مثل مايرى هؤلاء (يعني الصحابة الذين يرون الرؤى ويقصونها على النبي)،فحقق الله له أمنيته.
2 ـــ تزكية النبي لهذا الصحابي، و الثناء عليه مع أنه كان صغيرًا.
3 ـــ هذا الثناء من النبي لهذا الصحابي الصغير؛ أثر عليه في حياته بشكل إيجابي، حتى إنه كان لا ينام من الليل إلا قليلًا كما يشهد بذلك سالم .
4 ـــ حرص الصحابة – رضي الله عنهم – على الخير، والمسارعة إليه، والتأكيد من هذا الصحابي أنه كان غلامًا أي لم يبلغ الحلم، وشابًا أي: غضًا فتيًا نشيطًا، عزبًا أي غير متزوج، وليس عنده ارتباطات عائلية، ومسؤوليات أسرية، لذا فهو ينام في المسجد.
5 ــ فضل قيام الليل، وأنه من أسباب النجاة من النار.
6 ــ جواز تمني الرؤيا الصالحة ليعرف صاحبها ماله عند الله.
7ــ حياء ابن عمر من النبي، وذلك من أدبه.
8- استجاب الله دعاء هذا الصحابي مع صغر سنه.