إلى جانب كثرة المساجد التي تتميز بها استمبول، هناك الكثير من القصور الرائعة، ذات التصميم الهندسي الذي قل نظيره في العالم، ففي هذه المدينة يوجد أكبر قصر من حيث المساحة إلى جانب أفخم قصر من حيث الأبهة والثراء، وهما موضوع هذا الجوله :
1 – قصر طوب كابي Topkapi :
وتعني بالعربية «قصر باب المدفع»… عرف المغاربة هذا القصر من خلال مسلسل «حريم السلطان» حيث كان مسرحا لدسائس الحريم وقساوة السلطات سليمان القانوني، وهي الصورة الخاطئة التي رسمتها حلقات هذا المسلسل بجزئيه الأول والثاني، فهذا العقد العظيم سكنه أربعة وعشرون سلطانا عثمانيا، من أصل ستة وثلاثين تعاقبوا على حكم الامبراطورية، وكان أعظمهم السلطان سليمان القانوني(*) الذي بلغت الفتوحات في عهده أقصاها، وامتد حكمه على ثلاث قارات (آسيا – أوربا – إفريقيا)، حيث يقول المؤرخون إنه أكبر امبراطور مر في التاريخ، ولم يُعْرف ملك أكبر من ملكه سوى ملك سليمان عليه السلام، ففي عهده تم فتح بلاد المجر والبلغار، والتي عجز السلاطين الذين سبقوه بمن فيهم محمد الفاتح على فتحها، وكان ذلك سنة 932هـ 21 ذي القعدة الموافق 29 غشت 1526م في معركة تدعى «موهاكس».. كما حاصر فيينا، ولم تتميز فترته بالفتوحات فقط، بل عرفت العلوم في عهده أوج ازدهارها، وكان السلطان الذي على يده قامت السنة وقمعت البدعة وحورب الروافض، كما كان شوكة في حلق أوربا فقد قال عنه المؤرخ الألماني هالمر (..كان هذا السلطان أشد خطرا علينا من صلاح الدين نفسه..) وقال عنه المؤرخ الانجليزي هارولد (..إن يوم موته كان من أيام أعياد النصارى..).. وهو أول من لقب بخادم الحرمين الشريفين بعد أن تنازل له الخليفة العباسي عن مفاتيح الحرمين… تولى الحكم وهو ابن السادس والعشرين (سنة 926هـ) ودامت فترة حكمه ثمانية وأربعين عاما، كانت كلها كفاحا وجهادا وخدمة للاسلام والمسلمين، وكان أول من وضع قانونا متكاملا بمساعدة العالم الجليل أبو السعود أفندي صاحب تفسير «إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم» هذا غيض من فيض، فكيف لرجل مثل هذا أن يكون له وقت للهو والمجون… ونحن نلج البوابة الكبرى لعقد طوب كابي، أول ما يصادفك هو مكتب السلطان سليمان القانوني، حيث كان يصدر «فرْمانته» أي قوانينه، وهو أشبه بغرفة نوم بها سرير فخم ومكتب وبعض المقتنيات النفيسة… ويضم القصر حديقتين، واحدة في وسطه وأخرى في الجهة الخلفية تطل على البوسفور في منظر رائع جدا، وقد كانت هذه الحديقة محببة للسلاطين الذين مروا من هنا، حيث كان يحلو لهم تناول طعامهم من شرفة القصر المطلة عليها وعلى البوسفور… يُوجد بالقصر عدة متاحف، أهمها المتحف الاسلامي الذي يضم أجزاء من الكعبة المشرفة بعد إعادة بنائها من طرف العثمانيين (ميزاب العكبة، حافظة الحجر الأسود…) إضافة إلى سيوف بعض الصحابة رضوان الله عليهم، ومصحف حفصة رضي الله عنها، وأشياء أخرى لا ندري مدى صحتها : كعمامة يوسف عليه السلام ورداء فاطمة الزهراء رضي الله عنها وقارورة تحتوي على شعر الرسول كما تزعم الكتابات التي تُعرف بمحتويات هذا المتحف، إلى جانب ذلك هناك متحف يضم أروع الحلي التي كانت نساء القصر يتحلين بها وهي تنم عن بذخ كبير عرفته حياة بعض السلاطين ونسائهم… ويعد قصر طوب كابي أفخم قصر في كل أوربا إن لم نقل في كل العالم…
2 – قصر الحديقة المحشية :
بناه السلطان عبد المجيد، وهو أكبر قصر في العالم، يضم 285 غرفة، وطليت جدرانه بأربعة عشر طنا من الذهب المسال، توجد به أكبر «ثُريا» من الكريسطال النادر في العالم، أهدتها الملكة فكتوريا ملكة بريطانيا للسلطان عبد المجيد، وقد سمي بقصر الحديقة المحشية نسبة إلى الحديقة الرائعة التي تتوسطه والتي أنشأها السلطان عبد المجيد تكريما لوالدته، وقد تحول هذا القصر إلى أغلى فندق في العالم، حيث يتقاطر عليه أثرياء العرب وغيرهم طيلة السنة.
بالرغم من أن هذه المعالم الرائعة تشكل اليوم ثروة سياحية وتاريخية تدر على تركيا أموالا طائلة، فإنها في وقتها كانت تؤشر على بداية انهيار مجد الامبراطورية العثمانية، لأن حياة اللهو لا تستقيم مع حياة الجهاد، ولنا في تاريخ الأندلس أكبر عبرة، ألم تقل والدة أبي عبد الله الصغير آخر ملوك بني الأحمر حين دخلت عليه وهو يبكي بعد سقوط قرطبة آخر معاقل الحكم الاسلامي بيد الاسبان (ابك بكاء النساء على ملك لم تصنه صون الرجال..) ؟؟