فرحة عارمة ملأت خلجات نفسي وحلي التوحيد وميضها يشع نورا من قلب صان الإخلاص، ونجا من شراك التعلق بالخميصة والقطيفة، لكن حبائل الشيطان تأسر معصم العفة .
لصوص العفة
جعلك الله تعالى في دنيا الناس ذرة غالية، وجعل في اتباع أمره واجتناب نهيه عزك وفخرك. فاحذري من:
أ ـ نفث عشق كذوب
يكون الشيطان ثالث جليس أهل العشق أو الخلوة، فيوسوس ويزين، يقنعك أنها جلسة بريئة، ولا براءة فيها، لأنها حبائل غواية تفضـي إلى معصية، إنها حقيقة خرجت من أعذب فم طاهر صادق، وتؤكدها وقائع الحياة قال : «ما اختلى رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما»، فما فقدت فتاة جواهر عفتها إلا بدنس خلوة استأسد فيها الشيطان تاركة حسرة وندامة، ولا لطخت فتاة بوحل الفاحشة إلا بمسمى العشق الكذوب.
إن حب الله تعالى وتشريفه وتطهيره لك تجسد أحكاما شرعية تبعدك عن مخالب الذئاب، وتجعل هامتك تجاوز مناكب الجوزاء عفة ونقاء، فإياك ومسميات العشق، أو الصحبة المردية إلى المهالك.
ب – أوصاف البطالين
فهذه امرأة أعجبت بجمالها ولفها إبليس بحبائله ونفث في أذنيها: «إن جمالك فتان» فنظرت إلى وجهها في المرآة فأعجبت بجمالها، وقالت لزوجها: أترى أحدا يرى هذا الوجه ولا يفتن به؟ قال: نعم، قالت: من؟ قال: عبيد بن عمير، قالت: فأذن لي لأفتنه، قال: أذنت لك، قال: فأتته كالمستفتية فخلا معها في ناحية من المسجد الحرام، فأسفرت عن وجه مثل فلقة القمر، فقال لها : اتقي الله يا أمة الله، قالت: إني قد فتنت بك فانظر في أمري.
قال: إني سائلك عن شيء فإن أنت صدقت نظرت في أمرك، قالت: لا تسألني عن شيء إلا صدقتك.
قال: أخبريني… لو أن ملك الموت أتاك ليقبض روحك، أكان يسرك أني قضيت لك حاجة؟ قالت: اللهم لا، قال: صدقت.
قال: لو أدخلت في قبرك وأجلست للمسألة، أكان يسرك أني قضيت لك الحاجة؟ قالت اللهم لا، قال: صدقت.
قال: لو أن الناس أعطوا كتبهم ولا تدرين تأخذين كتابك بيمينك أم بشمالك، أكان يسرك أني قضيت لك الحاجة؟ قالت: اللهم لا، قال: صدقت.
قال: فلو جيء بالموازين وجيء بك لا تدرين تأخذين كتابك بيمينك أم بشمالك، أكان يسرك أني قضيت لك حاجة؟ قالت: اللهم لا، قال: صدقت.
قال: فلو وقفت بين يدي الله للمسألة، أكان يسرك أني قضيت لك الحاجة؟
قالت: اللهم لا، قال:صدقت،
قال: اتقي الله يا أمة الله فقد أنعم عليك وأحسن إليك.
فرجعت إلى زوجها، فقال: ما صنعت؟ قالت: أنت بطال ونحن بطالون، فأقبلت على الصلاة والصوم والعبادة، فكان زوجها يقول: مالي ولعبيد بن عمير، أفسد علي امرأتي، كانت في كل ليلة عروسة فصيرها راهبة (1).
لقد أدركها الله عز وجل بتوبة لما صدقت في جوابها. فاصدقيني بُنَيَّتي في الجواب لماذا تكشفين محاسنك؟ لِمَ تخضعين بالقول؟ لم تصاحبين شبابا وتعاشرينهم معاشرة الزوجة لزوجها؟
أناشدك الله أن تكوني صادقة، علَّ صدقك في الجواب يقيض الله تعالى لك به لطائف ربانية تذيقك حبه، وحب طاعته.
حب النجاة
كما أذاق جارية السري السقطي حب النجاة، أخلصت فخلصت من ربقة العبودية فاسمعي مني هذه البشارة:
….دخل السري السقطي سوق النخاسين قال: فرأيت جارية ينادى عليها بالبراءة من العيوب، فلما انصرفت بها عرضت عليها الطعام فقالت لي: والله يا سيدي ما رأيت أحدا في دارنا أكل نهارا قط. قال: فخرجت، فلما كان العشاء أتيتها بطعام فأكلت منه قليلا، ثم قالت: يا مولاي بقيت لي خدمة؟ قلت: لا، قالت: دعني لخدمة مولاي الأكبر، قلت: إي وكرامة، فانصرفت إلى بيت تصلي فيه، وصليت أنا العشاء الآخرة، ورقدت، فلما مضى من الليل الثلث ضربت الباب علي، فقلت لها: ماذا تريدين؟ قالت: يا مولاي أمالك حظ من الليل؟ قلت: لا، فمضت، فلما مضى النصف منه ضربت علي الباب، وقالت: يا مولاي قام المتهجدون إلى وردهم، قلت: يا جارية… أنا بالليل خشبة وبالنهار جلبة، فلما بقي من الليل الثلث الأخير: ضربت علي الباب ضربا عنيفا، وقالت: أما دعاك الشوق إلى مناجاة الملك، قم لنفسك وخذ مكانك فقد سبقك الخدّام، فهيج مني كلامها خاطرا، وقمت فأسبغت الوضوء، وركعت ركعات، ثم تحسست إليها فوجدتها ساجدة وهي تقول: بحبك لي إلا غفرت لي، فقلت لها يا جارية ومن أين علمت أنه يحبك؟ قالت: لولا محبته ما أَنَامَك وأقامني، فقلت: اِذهبي، فأنت حرة لوجه الله العظيم، فدعت ثم خرجت وهي تقول: «هذا العتق الأصغر بقي العتق الأكبر» (2)
ما أحلى حبا يكسر قيود الذل والانصياع، ويحيي همة التوق وولع الشوق إلى جنب الله تعالى، فهنيئا لمن ذاق لذيذ حبه جل وعلا. وبرد الأنس به سبحانه.
لا تستطيلي الطريق فمن استطال الطريق ضعف مشيه، أعلنيها قومة لله الكبير المتعال ونهضة من سنة الغفلة، فإن القلب يستنير بالحياة لرؤية نور حب الله تعالى.
ذة. رجاء عبيد
———–
1 – ذم الهوى البيهقي ص210_211
2 – الصلاة والتهجد لابن الخراط. ص:392.