الخطبة الأولى :
الحَمْدُ للهِ الذِي جَعَلَ اليَقِينَ مِنْ صِفاتِ عِبادِهِ المُؤمِنينَ، والثِّقَةَ فِيهِ مِنْ شَمائِلِ أَوليائهِ المُتَّقِينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبْدُ اللهِ ورَسولُهُ، لَمْ تُزَعْزِعْهُ المَواقِفُ والبَلاَيا، ولاَ نَالَتْ مِنْ يِقِينِهِ المَصائِبُ والرَّزايا، وعَلَى آلهِ وصَحْبِهِ الأَطْهارِ، وعَلَى مَنْ تَبِعَهُم مِنَ المُتَّقِينَ الأَخْيارِ.
أَمّا بَعْدُ،
اعلَموا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ اليَقِينَ دَرجَةٌ مِنَ الإيمَانِ عَالِيةٌ، ومَنْزِلَةٌ مِنَ الإِخلاَصِ للهِ رَاقِيَةٌ، لاَ يَصِلُ إِليها إِلاَّ مَنْ وَقَرَ الإِيمانُ فِي قَلْبِهِ، وسَيْطَرَ حُبُّ اللهِ عَلَى حسه وعقله، واليَقِينُ مَنْزِلَةٌ يُحِبُّها اللهُ تَبارَكَ وتَعالَى، ويُرِيدُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ يَصِلوا إِلَيها، ولِهَذا يَقُولُ اللهُ عزَّ وَجَلَّ: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}، فإِبراهيمُ كَانَ مُؤمِناً، لَكِنَّ اللهَ أَرادَ أَنْ يَزيدَهُ إِيماناً ويَجْعَلَهُ مِنَ المُوقِنينَ، فَجَعلَ اللهُ سُبْحانَهُ وَسيلَةَ ذَلِكَ أَنْ يُرِيَهُ مَلَكوتَ السَّماواتِ والأَرضِ، فَبَعْدَ أَنْ رَآهُ وَتأَمَّلَهُ، رَفَعَ اللهُ تَبارَكَ وتَعالَى حُجَّتَهُ، والمُؤمِنُ الصادق دائما مُوقِنٌ بِأَمْرِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالَى، لِذا فَهُوَ مُستَقِيمٌ عَلَى أَمْرِهِ سُبْحانَهُ، ويَقومُ بِأَداءِ العَمَلِ الذِي افتَرَضَهُ اللهُ تَبارَكَ وتَعالَى عَلَيهِ، كَمَا أَنَّهُ مُوقِنٌ بِقَضاءِ اللهِ وقَدَرِهِ ومَشِيئَتِهِ، فَيُفَوِّضُ أَمْرَهُ للهِ وتَرتاحُ نَفْسَهُ لِما قَدَّرَهُ رَبُّهُ وأَمضَاهُ، قَالَ تَعالَى: {ألم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُومِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، والَّذِينَ يُومِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ، أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، وحِينَ سَعدَ هَؤلاءِ بِبَرْدِ اليَقينِ والتِزامِهِ، شَقِيَ آخرونَ بِانعدِامِهِ، قَالَ تَعالَى فِي شَأنِهم: {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُستَيقِنِينَ}، وَقَدْ وَضَعَ رَسُولُ اللهِ المِيزانَ الدَّقِيقَ لِليقِينِ فَقالَ: «إِنَّ لِكُلِّ شَيءٍ حَقِيقَةً، ومَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الإِيمانِ حَتَّى يَعلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخطِئهُ، ومَا أَخطأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصيبَهُ»، وإِذا وَصَلَ اليَقِينُ إِلَى القَلْبِ امتَلأَ القَلْبُ نُوراً وإِشراقاً وإِيماناً ومَحَبّةً لله تعالى ِ، وخَوفاً مِنَ اللهِ، وثِقَةً فِي اللهِ، وشُكْراً لَهُ، ورِضاً بِقَضائِهِ وقَدَرِهِ، وتَوَكُّلاً عَلَيهِ، وإِنابَةً إِلَيهِ، واليَقِينُ مِنْ أَعظَمِ نِعَمِ اللهِ عَلَى العَبْدِ، يَقُولُ : «سَلوا اللهَ العَفْوَ والعَافِيَةَ، فَإِنَّ أَحداً لَمْ يُعْطَ بَعْدَ اليَقِينِ خَيْراً مِنَ العَافِيَةِ»، وكَيفَ لاَ يَكُونُ اليَقينُ كَذَلِكَ وبِهِ اهتَدَى المُهتَدونَ، وفِيهِ تَنافَسَ المُتنافِسُونَ؟ قَالَ تَعالَى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}، إِنَّ اليَقِينَ استِحسانٌ دَائمٌ لِما حَكَمَ اللهُ بِهِ، ورِضاً مُطلَقٌ بِما قَدَّرَهُ وقَضَاهُ، قَالَ تعَالَى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.
أَيُّها المُسلِمون : إِنَّ المُتَتبِّعَ لِكتابِ اللهِ العَظِيمِ، والدَّارِسَ لِتارِيخِ مَنِ اختَصَّهم اللهُ بِالخَيْرِ والتَّكْرِيمِ، يَقِفُ وَقْفَةَ إِجلاَلٍ وإِكبارٍ لِصُوَرِ اليَقِينِ الذِي لاَ يَقِفُ عِنْدَ حَدٍّ، والثِّقَةِ فِي اللهِ الواحِدِ الأَحَدِ، انظُروا فِي سِيرَةِ شَيْخِ المُرسَلِينَ نوحٍ الذِي قَامَ امتِثالاً لأَمْرِ رَبِّهِ لِيَصنَعَ سَفِينَةً عَلَى اليَابِسَةِ حَيْثُ لاَ بَحْرَ، قَالَ تَعالَى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ، وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ}، سُبْحانَ اللهِ: أَيُّ عَقْلٍ لِهذا الرَّجُلِ؟ يَصْنَعُ سَفِينَةً ولاَ بِحارَ ولاَ أَنهارَ ولاَ مُحيطاتِ؟ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مُمتَلِئُ القَلْبِ بِاليَقِينِ لأَمْرِ رَبِّهِ تَبارَكَ وتَعالَى، وبَعْدَ أَنْ أَتمَّ نُوحٌ عَلَيهِ السَّلاَمُ صُنْعَ السَّفِينَةِ، واشَتَدَّ اضطِهادُ قَومِهِ لَهُ تَضَرَّعَ لِرَبِّهِ سُبْحانَهُ، قَالَ تَعالَى فِي وَصفِهِ: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ}، فَكانَتِ النَّتِيجَةُ: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ، وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ، وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ، تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِر}َ، وهَذا إِبراهيمُ يَضَعُ مَبْدأً عَظِيماً فِي اليَقِينِ الصَّادِقِ، تَهونُ عَلَى مَنْ التَزَمَهُ هُمومُ الحَياةِ، ويَتَدلَّى لِمَنْ عَمِلَ بِهِ حَبلُ السَّعادَةِ والنَّجاةِ، بِهِ تَطْمَئنُّ النُّفوسُ، وتَنْزاحُ الكُروبُ، ومَعَهُ تَهونُ المَصائِبُ والخُطُوبُ، حَكَى اللهُ عَنْهُ قَولَهُ مُخاطِباً قَوْمَهُ الذِينَ لَمْ يَعْمروا قُلوبَهم بِاليَقينِ، ولَمْ يَعتَمِدوا عَلَى اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ، قَالَ تعَالَى: {قَالَ أَفَرَايْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ، أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الاقْدَمُونَ، فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ، الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ، وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسقِينِ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ، وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ، وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين}، إِنَّه إيمان الصادقين وثِقَةُ المُوقِنينَ، رُزِقَ صَاحِبُها الولَدَ وهوَ شَيْخٌ شَيْبُهُ ظَاهِرٌ، وامرأَتُهُ عَجُوزٌ عَاقِرٌ، فَجَاءتْهُ البُشْرَى مِنْ رَبِّ البرية، وبِهذا اليقِينِ أَيْضاً تَرَكَ إبراهيمُ الخَلِيلُ زَوْجَتَهُ وولَدَهُ فِي مَكَّةَ المُكَرَّمةِ وهِيَ يَومَئِذٍ وادٍ غَيْرُ ذِي زَرْعٍ، تَركَهُم امتِثالاً لأَمْرِ اللهِ، وبَعْدَها ضَرَعَ إِليهِ ودَعاهُ، فَقَالَ: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}، وهَذا نَبِيُّ اللهِ موسَى عِنْدَما كَانَ فِرْعَونُ وجُنْدُهُ مِنْ خَلْفِهِ، والبَحْرُ أَمامَهُ، والمُستَضْعَفونَ مَعَ نَبِيِّ اللهِ موسَى يَخْشَونَ مِنْ فِرعَوْنَ وبَطْشِهِ، قَالَ تَعالَى: {فَلَمَّا تَرَاءا الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}، فَقَالَ صَاحَبُ اليقينِ مُوسَى : {قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ}
أَيُّها المُسلِمون : عَلَى نَهْجِ إِبراهِيمَ الخَلِيلِ ، وإِخوانِهِ مِنَ الأَنبِياءِ والمرسلين ذوي القَدْرِ الجَلِيلِ، رَبَّى ربنا تبارك وتعالى نَبِيُّنا مُحَمّدا نَفْسَهُ وأَصحابَهُ عَلَى اليَقِينِ قَولاً وعَمَلاً، فِكْراً وسُلوكاً، إيمانا ومَنْهجاً، قَالَ تَعالَى: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ اخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ انَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، وعَلَى هَذا المنوال كان أصحابُهُ رُضوانُ اللهِ تَعالَى عَلَيهم، حيثْ مَلأَ اليَقِينُ قُلوبَهم، وسَيْطَرَ عَلَى مَشَاعِرِهم، وهَذَّبَ سُلوكَهم، قَالَ عَزَّ وجَلَّ فِي وَصْفِهم: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} ، بَلْ كَانَ يُرَبِّي النَّاشِئةَ عَلَى اليَقِينِ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ يَوْماً فَقَالَ: “يَا غُلامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احفَظِ اللَّهَ يَحفَظْكَ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ”، إِنَّها تَرْبِيَةٌ وإِعدادٌ لِلنُّفوسِ، كَي لاَ تَنْهارَ جَزَعاً أَمامَ الشَّدائِدِ، ولاَ تَموتَ حَسْرَةً عِنْدَ المَصائِبِ، فَتلْزَمَ التَّجَمُّلَ والتَّماسُكَ والثَّباتَ، لِيَجْعَلَ اللهُ بَعْدَ العُسْرِ يُسْراً، إِنَّهُ الرَّجاءُ فِي اللهِ والثِّقَةُ بِهِ والاعتِمادُ عَلَيهِ، ولاَ بُدَّ لَنا أيها المؤمنون وقَدْ كَلَّفَنا اللهُ بِعِمَارَةِ الأَرْضِ، أَنْ نَمْلأَ قُلوبَنا يَقِيناً بِاللهِ؛ لِنَتهيَّأَ لِمَشاقِّ الحَياةِ ونَنْهَضَ بِواجِبِنا العظيم، ونُؤَدِّيَ دَوْرَنا المحتوم، فِي ثَباتٍ وثِقَةٍ وطُمأنِينَةٍ واعتِدالٍ، ومَا أَحوجَنا إِلى اليَقِينِ بِاللهِ والتَّوكُّلِ عَلَيهِ؛ لِنَعْمُرَ حَياتَنا كُلَّها سَكِينةً وطُمأنِينَةً، ولنرى فِي أَحلَكِ الظُّروفِ وأَصْعَبِ الأَوقاتِ نَافِذةً رَبّانِيّةً يَشِعُّ مِنْها النُّورُ.
فَاتَّقوا اللهَ عِبادَ اللهِ، واحرِصوا رَحِمَكُم اللهُ عَلَى اليَقِينِ الصَّادِقِ مَعَ اللهِ، والثِّقَةِ فِي صَلاَحِ مَا قَدَّرَهُ وقَضَاهُ، تَطْمَئِنُّ نُفوسُكُم، وتَرتاحُ قُلوبُكم، وتَصْلُحُ أَعمالُكُم.
أقُولُ ما سمعتم وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الرحيم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
عِبَادَ اللهِ :
من الطرق المساعدة والموصلة إلى اليقين ما يلي:
1 – العلم : فبالعلم تعرف الله معرفة صحيحة، فتعرف ربوبيته وألوهيته وأسماءه وصفاته.
2 – العمل بالعلم، ولذا قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: (العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل).
3 – ترك ما نهى الله عنه، وذلك مفارقة الشهوات وحظوظ النفس فإن المنغمس في الشهوات أنى له إدراك اليقين.
فإذا عملت أيها المسلم بهذه الوسائل للوصول إلى اليقين، فزت بإذن الله تعالى بثمرات اليقين ونتائجه، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
1 – الثبات لأن القلب إذا امتلأ يقينا ونورا وإشراقا فهو مستريح مطمئن، يقول بن تيمية رحمه الله: «إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة» ولذلك لما حبسه أعداؤه في سجن القلعة قال: (ما يصنع بي أعدائي جنتي وبستاني في صدري أنى رحت لا تفارقني – إن حبسي خلوة – وقتلى شهادة – وإخراجي من بلدي سياحة.)
2 – الهدى والفلاح: {أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} البقرة 4
3 – الصبر : فلا يمكن للعبد أن يصبر إلا إذا كان عنده يقين بالثواب والأجر وأن ماعند الله خير وأبقى، {فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون}.
د. عبد اللطيف احميد*
————-
*خطيب مسجد سعد بن أبي وقاص بفاس