«كشف مصدر أمني أن التحريات المتواصلة التي تباشرها ولاية أمن الدار البيضاء في إطار ما بات يعرف بمعالجة ظاهرة التشرميل، أسفر إلى حدود اليوم الأحد، عن توقيف 74 مشتبها بهم، قاسمهم المشترك أنهم ظهروا جميعا في صور منشورة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وهم يحملون أسلحة بيضاء من مختلف الأحجام، وفي حوزتهم مبالغ مالية وساعات يدوية يتم تقديمها على أنها من عائدات أعمال إجرامية، فضلا عن التباهي بحملهم لقنينات مشروبات كحولية وكميات من المخدرات». (جريدة هسبرس الإلكترونية).
يظهر من هذه الفقرة الإخبارية أن الأمر يتعلق بظاهرة مرضية آخذة في الاستفحال، مما أهلها للدخول في تصنيف الظواهر الاجتماعية الموسومة بالتجذر في بنية المجتمع، والتي لا تكاد تنفك عنه، فهي تكاد تشكل سلوكا متوقعا في كل حين، وقابلا للتناسل داخل المشهد الاجتماعي، مما يجعله مصدر تهديد لحياة الناس، وعامل رعب ينتفي معه أدنى إحساس بالأمن على الأرواح والأموال والأعراض، الأمر الذي تتحول معه الحياة إلى جحيم لا يطاق. وإن مما يلاحظ في هذه الظاهرة، مما يثير الحنق والاستغراب عند كل غيور، كونها تكتسي طابعا صارخا من التبجح والتحدي، ومن الاستفزاز لمشاعر الأفراد على متن سفينة المجتمع، والتنكر لحقها في الوجود الآمن الهنيء، فتسمية هذه الظاهرة ب»التشرميل» من قبل من تولوا كبر الانتماء إلى عصاباتها الإجرامية، تعبير سافر عن السخرية والامتهان لكرامة المجتمع وحقه في الأمن، فكأني بهؤلاء المجرمين يخاطبون المجتمع بتبجح واستعلاء، وهم يشهرون في وجهه أسلحة الذبح والسلخ، ويقولون: إننا سنشرملك بهذه السيوف والمدى شرملة، ونصنع بك مثل ما يصنع الجزار أو الطباخ، عند تحضيرهما لأكلة أو طابق قوامه اللحم. فلقد أصبح كل فرد من أفراد المجتمع المغربي، عرضة في كل لحظة من ليل أو نهار، في ظل تفاقم هذه الظاهرة، لأن يمزق جسمه إربا إربا بتلك السيوف الآثمة المتعطشة للدماء، ويصبح مادة صالحة ل»لتشرميل».
وإذا نحن نظرنا إلى هذه الظاهرة النكراء، من المنظور السوسيولوجي، ألفيناها نتاجا وبيلا وخلاصة مركزة لجملة كبيرة من الخروقات، ومن مظاهر التسيب والفوضى والاستقالة على مستوى تدبير الشأن الأسري والثقافي والتربوي والاجتماعي، بل على مستوى الاختيارات الحضارية الكبرى لتوجه المجتمع، فكما يقول المثل: «من وضع في القدر لحما أكل لحما، ومن وضع فيه بصلا أكل بصلا»، فليس من المستغرب البتة أن يطلع علينا رواد هذه الظاهرة كما تطلع رؤوس الشياطين، فذلك لا يعدو أن يكون جزاء وفاقا للتفريط والعربدة واللامبالاة في سياسة قطاع الشباب الذي يشكل مركز الثقل في مجتمع يغلب عليه طابع الفتوة، والذي كان يمكن أن يكون رافعة قوية للنمو والازدهار الاقتصادي والحضاري، لو نهج ولاة الأمور سياسة راشدة في تعهده ورعايته واستثمار طاقاته لخير الوطن.
إنه من الفظيع حقا، ومما يثير الألم الحاد والغضب العارم معا، أن ينام المسؤولون ملء جفونهم، ليستفيقوا على صليل السيوف وقعقعة النصال، التي تتقلدها جماعة من فارغي الأكواب، مسلوبي الإرادات والأرواح، ممن تربوا على عين الغرب الفاجر، ورضعوا لبان ثقافته المسمومة، وتشربوا قيمه الشيطانية، ينحرون بها الناس، ويحولون أرض الوطن إلى ميدان يمتلئ بأشلاء الأبرياء، وتنعق حوله الغربان، سمفونية الألم والأحزان.
لنسم الأشياء بأسمائها، فنحن أمام جريمة اسمها الحرابة، لا مجال لاستئصالها إلا بتطبيق شرع الله عز وجل فيها، وهو قوله تعالى: {نَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(المائدة 33).
إن من شأن هذه القوارع والفواجع أن ترجع الغافلين إلى جادة الصواب، فيصطلحوا مع شرع الله العزيز الحكيم، فيأتوا البيوت من أبوابها، وإلا فلتنتظر جوائح أدهى وأمر، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} صدق الله العظيم.
د. عبد المجيد بنمسعود