عن جابر ]، قال، كان رسول الله [ إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش، يقول «صبحكم ومساكم» ويقول : «بعثت أنا والساعة كهاتين» ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى، ويقول : «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدي محمد [ وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة» ثم يقول : «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، ومن ترك مالا فلأهله، ومن ترك دينا أو ضياعا، فإلي وعلي» (رواه مسلم).
يقول الإمام النووي ] : قال أهل اللغة الضياع بفتح الضاد العيال(1).
أقول : ينبغي للخطيب أو الواعظ أن يكون صوته ملائما للموضوع. فيرفع صوته في مواطن الإنذار والتخويف، فإن ذلك أدعى للانتباه واليقظة، كما هو حديث الباب فإن ذكر الساعة من الأمور الكبيرة المهولة.
يقول النووي ] : يستدل به على أنه يستحب للخطيب أن يفخم أمر الخطبة ويرفع صوته ويجزل كلامه ويكون مطابقا للفصل الذي يتكلم عنه من ترغيب وترهيب، ولعل اشتداد غضبه كان عند إنذاره أمرا عظيما وتحديده خطبا جسيما(2).
إن تفخيم الأمر العظيم بِرفع الصوت به يشعر السامعين بأهميته ويستطيع الخطيب من خلال ذلك أن يصل أرواح الحاضرين بروح خطبته ويحدوهم إلى الله عز وجل، فعن النعمان بن بشير ] أنه خطب فقال : سمعت رسول الله [ يخطب يقول : أنذرتكم النار حتى لو أن رجلا كان بالسوق لسمع من مقامي هذا، قال : حتى وقعت خميصته على عاتقه عند رجليه(3).
وعن الزبير بن العوام ] قال : كان رسول الله [ يخطبنا، فيذكرنا بأيام الله حتى يعرف ذلك في وجهه وكأنه نذير قوم يصبحهم الأمر غدوة»(4).
وعن جابر ] قال : كان النبي [ إذا أتاه الوحي أو وعظ قلت نذير قوم أتاهم العذاب، فإذا ذهب عنه ذلك رأيته أطلق الناس وجها وأكثرهم ضحكا وأحسنهم بِشْرا [(5).
وقال الإمام البخاري : «باب رفع صوته بالعلم» عن عبد الله بن عمرو قال : تخلف عنا النبي [ في سفرة سافرناها، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته : «ويل للأعقاب من النار» مرتين أو ثلاث.
قال ابن حجر : وإنما يتم الاستدلال بذلك حيث تدعو الحاجة إليه لبعد أو كثرة جمع أو غير ذلك، ويلحق ما إذا كان في موعظة(6). ويخفض صوته في مواطن التبشير، وكل ذلك بالقدر الذي يناسب الحضور ولا يزعجهم.
ذ. عبد الحميد صدوق
———–
1 – شرح مسلم ج 6 ص : 144.
2 – المصدر السابق
3 – رواه الإمام أحمد في المسند.
4 – رواه الإمام أحمد.
5 – الفتح ج 1 ص : 125.
6 – رواه الطبراني والبزار.