نوقشت يوم الخميس 3 جمادى الثانية 1435 الموافق 3 أبريل 2014 في رحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس بفاس أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية تقدم بها الأستاذ محمد الفروني في موضوع:
إدارة الوقف في الفقه الإسلامي.
وتكونت لجنة المناقشة من الدكتور عبد الحق يدير رئيسا والدكتور الجيلالي المريني مشرفا ومقررا والدكتور عبد الله غازوي عضوا والدكتور عبد الله معصر عضوا.
وبعد المناقشة حصل الأستاذ الفروني على درجة مشرف جدا مع توصية بالطبع.
فهنيئا للدكتور الفروني ونسأل الله تعالى أن يوفقه في مسيرته العلمية.
ومما جاء في ثنايا الأطروحة: إن من أنبل ما جاء به هذا الدين، وأجمل ما شرعه رب العالمين نظامَ الوقف، فهو نظام فريد، ومنهج سديد، ليس له في ملة من الملل مثيل، ولا له في شريعة من الشرائع نظير، نظام أدى وظائف متعددة: فردية وجماعية، دينية ودنيوية، علمية واجتماعية، إحسانية واقتصادية، وأدى وظائف أكثر من ذلك بكثير، وكانت رسالته عظيمة، وآثاره كبيرة، وحق لأمة عندها نظام الوقف والحبس أن تفاخر به الأمم، وتباهي به العالمين.
وإن إلقاء نظرة تاريخية على أوقاف المسلمين، وعلى المجالات التي حبسوا عليها أموالهم وممتلكاتهم لتبين كرم وسخاء الأسلاف، وتوضح عبقريتهم وسموهم الروحي والفكري، وتدل على تحضرهم ووعيهم، وهذا يحتم علينا نحن الخلف أن نقدر جهودهم، ونذكر جهادهم وتضحياتهم، لا لنتغنى بها ونقف عند ذكرها والإشادة بها فحسب، ولكن لنحافظ عليها وننسج على منوالها ونطور منها ما يحتاج إلى تطوير.
إن هؤلاء الأماجد لم يتركوا مجالا من مجالات الحياة إلا حبسوا عليه نفيس الأموال، وعظيم الممتلكات، فهذه مساجدهم الشامخة التي صمدت مئات السنين تلبي حاجات المجتمع الدينية والروحية والعلمية، بل منها ما صار عبارة عن جامعات يدرس فيها مختلف العلوم، كجامع القرويين، وجامع الزيتونة، والجامع الأموي، والجامع الأزهر، وغيرها، وتلك مدارسهم العلمية الرصينة التي أنجبت جهابذة العلم، وعباقرة الفكر، لا تزال شاهدة على بعد نظرهم واهتمامهم العلمي والفكري، كمدرسة أوكلوا التي أنجبت عبد الله بن ياسين مؤسس الدولة المرابطية، ودار الحديث بدمشق التي خرجت النووي، وابن الصلاح، وتقي الدين السبكي وغيرهم، والمدرسة النظامية ببغداد التي أنجبت علماء كبارا كالغزالي والشيرازي، وإمام الحرمين وغيرهم، وتينك مستشفيات شيدت لتلبية الحاجات الصحية لأبناء المجتمع لا تزال بعض أطلالها تناشد الخلف للوقوف عليها وأخذ الدروس والعبر من نظامها وأهدافها، كمرستان سيدي فرَج بفاس، والمارستان الذي بناه أبو يوسف الموحدي بمراكش، ومارستان تازة الذي بناه أبو عنان المريني وغيرها من المؤسسات الصحية العجيبة.
ولقد تعددت أوقاف أولئك الأسلاف وتنوعت، فقد وقفوا على الفقراء والمساكين، وأسسوا أيضا دورا للشيوخ والعجزة والضعفاء الذين لا يستطيعون النفقة على أنفسهم، فبنيت لهم دور خاصة لإقامتهم في كل من فاس ومكناس ومراكش وغيرها، فقد أمر أبو الحسن المريني ببناء دور شبيهة بالربط برسم سكنى من دخل مرحلة الشيخوخة من الضعفاء الملازمين للخير. وأمر أيضا ببناء دار للشيوخ الملازمين للصلوات قريبة من جامع الأندلس بفاس، وبالمدينة نفسها بنى قصرا يسمى دار الشيوخ مخصصا لتعريس المكفوفين الذين لا يتوفرون على سكن، ويوجد أربعة دور وقفية مخصصة لسكنى الضعفاء والمساكين، وثلاث أخرى لتعريس الضعفاء ومتوسطي الحال الذين لا يجدون سكنا يتسع لأفراحهم مجهزة بالفرش والأثاث اللائق بوليمة التزويج، وهناك الوقف لقضاء الديون وقد برز هذا النوع من الوقف في أيام السلطان أبي عنان المريني (752هـ ـ 759هـ) فقد اهتم رحمه الله تعالى بقضاء ديون العاجزين عن أدائها، وقد اتخذ قرارا بأدائها من مداخيل الأوقاف الخاصة لهذا الغرض لديون المعسرين المسجونين بسائر الجهات المغربية، وكتب لجميع الأقاليم المرينية بأن جميع من توفي وعليه دين من الديون أو حق من الحقوق المدركة ولو بالظنون فيؤدى عنه ذلك، وأمر أن تستمر هذه المبادرة على الدوام.
لقد استمرت مؤسسة الوقف في العطاء، وظلت تؤدي خدماتها لجميع فئات المجتمع، وكان الأغنياء من المسلمين حكاما ومحكومين لا يبخلون على هذه المؤسسات التي أسهمت بقسط وافر في حفظ كيان الأمة ولمّ شعثها، وتقوية بنيانها الديني والعلمي والاجتماعي والاقتصادي، ودعم مؤسساتها المختلفة.
ورغم ما كان يعتري مؤسسة الوقف من ضعف في بعض الأحيان، وما كان يصيبها من نهب واعتداء في بعض الفترات فإنها لم تصل إلى ما وصلت إليه في القرن الرابع عشر حينما امتدت يد المحتل الظالم الغاشم إلى كيانها فهدمته، وتسللت إلى خيراتها فنهبتها، والأسوأ من ذلك أن عين هذا المحتل الصليبي الغادر كانت تخطط للإجهاز على نظام الوقف والقضاء عليه تماما، فطمست ما استطاعت من معالمه،.
وإن المدخل الأساس إلى إصلاح المؤسسة الوقفية، هو إصلاح إدارتها، وتجديد تسييرها، واختيار العنصر البشري المؤهل علميا ودينيا وأخلاقيا للسهر عليها، ذلك هو مربط الفرس في كل إصلاح يراد للأوقاف، وقطب الرحى في كل عناية به، مع ضرورة البحث عن صيغ جديدة لإدارة الوقف تتناسب مع التطور الهائل الذي عرفه التسيير الإداري، والتعامل مع مؤسسة الوقف تعاملا خاصا انطلاقا مما هو مسطر في الفقه الإسلامي والتعريف بالوقف ومؤسساته وغاياته من خلال تنظيم ملتقيات وندوات وإشراك الإعلام إشراكا فعالا في بيان دور الوقف عبر التاريخ، وما أداه من أدوار طلائعية في شتى المجالات والتخصصات.
-إلى جانب هذا يلزم إشاعة ثقافة الوقف من خلال بناء مؤسسات تعليمية أو بناء بنايات لسكنى الطلبة الذين يسكنون بعيدا من المؤسسات التعليمية، كدور الطالب، والأحياء الجامعية، وحث العلماء على تحبيس مكتباتهم وخزاناتهم الحافلة بالكتب النفيسة، كما كان ذلك في القديم، لأن تحبيسها يحفظها من الضياع، ويستفيد منها أكبر عدد ممكن من الطلبة،
- ثم تشتد الحاجة إلى تأسيس جمعيات تكون مهمتها التعريف بمؤسسة الوقف، ومتابعة أخبارها واقتراح الحلول المناسبة لمشاكلها منها الأراضي الوقفية المغتصبة، فكثير من الأراضي بنى فيها الناس وغرسوها وضموها إلى أملاكهم، ومنها ثمن الكراء الذي تكرى به الأوقاف، فثمنها لا يفي حتى برعايتها و إصلاح شأنها، بله أن يفضل من ذلك شيء ينفق على ما وقف عليه .