حماس لم تخسر شيئا، فالطعنة أصابت مصر السياسة، كما أصابت مصر القضاء، إذ صار القرار نقطة سوداء في تاريخ الاثنين، وبمقتضاه انضمت مصر إلى إسرائيل في اعتبار أهم فصيل فلسطيني مقاوم منظمة إرهابية. لم يجرؤ السادات المتصالح على أن يفعلها. ولا أقدم عليها مبارك كنز إسرائيل الاستراتيجي. ولكن ذلك حدث ــ صدق أو لا تصدق ــ في ظل ثورة انقلبت على تراث الاثنين، وليس ذلك أعجب ما في الأمر، لأن ما هو أعجب أن حماس التي لم يثبت عليها تدخل لها قبل الثورة ولا بعدها، أصبحت محظورة في مصر، في حين أن إسرائيل التي تضبط متلبسة بالتجسس على مصر بين الحين والآخر، صارت مؤمَّنة فيها ومحظوظة. ليس في المشهد بمفارقاته المذهلة أي هزل، ولا يتصور عاقل في البلد أنه ينتمي إلى الجد. من ثم لا بديل عن اعتباره عبئا خارج المعقول ومنتميا بالكامل إلى اللامعقول. أتحدث عن الصدمة التي تلقيناها في ذلك الصباح (الثلاثاء 4/3)، حيث نعى إلينا الناعي أن محكمة للأمور المستعجلة في القاهرة أصدرت قرارا بحظر حركة حماس في مصر والتحفظ على أموالها. وفي خلفية الخبر أن أحد المحامين تقدم بدعوى إلى المحكمة بهذا الخصوص، وأنه قدم حافظة مستندات أيد بها دعواه، ذكر فيها أن حماس شاركت في الأعمال الإرهابية. واقتحمت السجون وقتلت ضباط الشرطة بمشاركة الإخوان إبان ثورة 25 يناير، وأرفق الرجل بدعواه أسطوانة مدمجة بينت الجناح العسكري للحركة وهو يتدرب على الأعمال الإرهابية.(!!) الذين كرهوا الثورة وأرادوا التشكيك في دوافعها بدعوى أنها مؤامرة حاكتها قوى خارجية أشاروا إلى حماس. والذين أرادوا أن يغسلوا أيديهم من جرائم القتل والقنص التي وقعت أثناء الثورة (عام 2011)، وجهوا أصابع الاتهام إلى حماس، بعدما أشار تقرير لجنة تقصي الحقائق الذي أعد بإشراف قضائي نزيه( ترأس اللجنة المستشار عادل قورة، رئيس محكمة النقض السابق) إلى مسؤولية الأجهزة الأمنية عن تلك الجرائم، ولم يشر التقرير بكلمة إلى دور حماس فيها، ولكن تلك الأجهزة تجاهلت التقرير وأعادت كتابة تاريخ تلك المرحلة على هواها، ومن ثم علقت جرائم على +شماعة؛ الحركة. والذين كرهوا الفلسطينيين لأن مجرد وجودهم شاهد على جريمة اغتصاب وطنهم، كانت لهم أيضا مصلحة أكيدة فى توجيه الطعنات إلى حماس. والذين كرهوا المقاومة واعتبروا أن وجودها يُعطِّل مشروعهم الاستسلامى أدركوا أن شيطنة الفصيل المقاوم تفسح الطريق لتحقيق مسعاهم. والذين أزاحتهم الحركة من القطاع في عام 2006، لم ينسوا ثأرهم ولم يتوقفوا عن الكيد لها بحصارها ومحاولة الإطاحة بها وتصويرها باعتبارها خطرا على مصر. والذين حرصوا على أن تنفض القاهرة أيديها من القضية الفلسطينية عملوا على توسيع الشقة وإذكاء الخصومة بينها وبين المقاومة، ومن ثم شجعوا الجفاء مع أهم فصائلها. أخيرا، فإن الذين كرهوا الإخوان لم يغفروا لحماس صلاتها الفكرية والتاريخية بهم، فضموها إلى حملة الاستئصال والإبادة السياسية (…) تستمر الدهشة ــ الصدمة إن شئت الدقة ــ حين تلاحظ أن الحكم صدر عن محكمة للأمور المستعجلة، الأمر الذي يمثل إهدارا لأبسط قواعد القانون ومقتضياته. حتى أزعم أن مجرد نظر القضية على ذلك المستوى أساء إلى القضاء أيما إساءة. ذلك أن الموضوع برمته ليس من اختصاص القضاء المدني وإنما هو من اختصاص القضاء الإداري. وحتى إذا صح الاختصاص، فالقضية لا تنطبق عليها شروط الاستعجال المقررة قانونا. ذلك أن أي طالب في كلية الحقوق يعرف أن القضاء المستعجل يختص بالطلبات الوقتية التي تتعلق بحق متنازع عليه يخشى ضياعه أو اقتضاؤه. يعرف طالب الحقوق أيضا أن ذلك القضاء ليس له أن ينظر في الموضوع، وإنما هو يقضي فقط، فى الطلبات الوقتية استنادا إلى ما هو ظاهر من الأوراق المقدمة إليه. ما جرى عصف بكل ذلك. فالمحكمة قضت في أمر لا ولاية لها عليه. ولا وجه للاستعجال فيه، ثم إنها ذهبت إلى ما هو أبعد وأصدرت حكما في الموضوع. وهو ما يمثل إهدارا للقانون وإساءة إلى القضاء أيضا، ويعد نموذجا للتداخل بين القضاء والسياسة تمنيت أن يستثير غيرة نادي القضاة، ويستحق منه موقفا حازما إزاءه. ليست هذه هي الشقيقة الكبرى ولا أم الدنيا. وإذا كنت لا أعرف الجهة المسؤولة عن تلك الإساءات التي أهانت مصر وقضاءها. إلا أنني أعرف أننا لا يمكن أن ننسبها إلى الثورة أو إلى الضمير الوطني الذي يعرف قيمة هذا البلد ويدرك مسؤولياته الوطنية والقومية.
فهمي هويدي