314 نساء مسلمات… عزة وكرامة
لما كانت المرأة نصف المجتمع، بل أصل المجتمع، ولما كان صلاحها صلاح للمجتمع، وعزتها عزة للمجتمع… فكر المتحاملون على الإسلام والكائدون له بالليل والنهار في الوسيلة الموصلة إلى إهدار هذه العزة والكرامة، فأطلوا علينا بشعارات زائفة ظاهرها الخير والصلاح، وباطنها من قِبَله الفساد والكيد والمكر {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}(الأنفال : 30) وهي كثيرة مثل : تحرير المرأة، اليوم العالمي للمرأة، المساواة بين المرأة والرجل… والحق أنها كلمات حق أريد بها باطل، ومما يؤسف له أنها لقيت آذانا صاغية وصدى واسعا من كلا الجنسين في العالم، فكان من نتائج ذلك أن حل محل الفضيلة الرذيلة، وتحول المعروف منكرا والمنكر معروفا!! وإذا ما رجعنا إلى تاريخنا العربي والإسلامي ووقفنا وقفة تأمل وتبصر باحثين عن سر المجد الحضاري والإنساني والثقافي والاجتماعي… وجدنا أن المرأة المسلمة العزيزة الكريمة هي التي تقف وراء ذلك كله، كيف لا، وهي التي قيل في شأنها >وراء كل رجل عظيم امرأة< وهي أيضا المربية للأجيال بعد كونها ربة بيت، وهي التي إذا صلحت صلح المجتمع كله، وإذا فسدت فسد المجتمع كله، وهي التي قال في شأنها الحبيب المصطفى : >الجنة تحت أقدام الأمهات< وهي التي أيضا لم تكن أنوثتها أداة ولادة وقضاء وطر فحسب..
وهيا بنا لنتجول في صفحات التاريخ المبثوثة بين ثنايا الكتب التي تركها لنا علماء التاريخ، ولنقتطف من ذلك بعض النماذج من نساء عزيزات كريمات لنقدمها مثلا وقدوة وعبرة لنسائنا وفتياتنا اليوم اللائي أصبح شغلهن الشاغل جسدهن والموضة والشارع وما نتج عن ذلك من عري واختلاط وفساد في الأخلاق وانحلالها، وهتك للأعراض.. {وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون}(الحشر : 21) فالشجاعة والعزة والتفقه في الدين لم يكن من نصيب الرجال فحسب، بل كان حظ النساء من ذلك وافرا، وهذا ما تشهد به كتب التاريخ، فقد ذكر الحافظ ابن كثير أنه لما اشتدت حملة الروم على المسلمين في معركة اليرموك انهزم بعض المسلمين فزجرتهم المسلمات وأمرنهم بالعودة إلى القتال وكن يقلن : أين تذهبون وتدعوننا للعلوج؟ فإذا زجرنهم لا يملك أحد نفسه حتى يرجع إلى القتال، قالت سعداء بنت عاصم الخولاني : كنت مع النساء يومئذ على التل، فلما انكسرت الميمنة صاحت بنا لُبنْى بنت جرير الحميرية : يا بنات العربيات! دونكن والرجال، فاحملن أولادكن على أيديكن، واستقبلتهن بالصياح والتحريض، قالت فأقبلت النساء يرمين الدواب بالحجارة. وجعلت ابنة العاص بن منبة تنادي : >قبح الله وجه رجل يفر عن خليلته!< وجعلت النساء يقلن لبعولتهن : >لستم بنا ببعول إن لم تمنعوا عنا الأعلاج<.
ونظرت هند بنت عتبة إلى أبي سفيان رضي الله عنهما وهو منهزم فضربت وجه حصانه بعمودها وقالت : >إلى أين يا ابن صخر؟ ارجع إلى القتال وابذل مهجتك حتى يمحص الله عنك ما سلف من تحريضك على رسول الله ، هكذا كانت شجاعة تلك النساء، وهكذا كانت عزتهن، فوالله الذي لا إله غيره لا تعيش أمة في ذلة كانت نساؤها كذلك. نعم! بهذه العزيمة وبهذه الشجاعة، والعزة والكرامة وصل المجتمع آنذاك إلى ما وصل إليه من العز والنصر والرقي والازدهار.. ولنورد أيضا نموذجا آخر من عزة المسلمات، لكن هذه المرة في ميدان العلم والتفقه في الدين، ولننظر كيف كانت المرأة وقتذاك تشارك الرجال في حلقات العلم ومجالس المعرفة، إذ تعلم العلم النافع وأحكام الدين ومبادئه لم يكن و قفا على الرجال ولا حكرا عليهم، بل كان للنساء الحظ الأوفر من ذلك كله، يُذكر أن الإمام السمرقندي رحمه الله كانت له ابنة فقيهة وعالمة جليلة وكان لا يفتي الناس في مسألة عرضت عليه إلا بعد استشارتها واستفتائها، ونظرا لما حباها الله من العلم والفضيلة والشرف كان الناس يترددون على باب الإمام السمرقندي طلبا في الزواج بها لعلهم ينالون من شرف العلم والانتساب إلى هذه الأسرة المسلمة العالمة، فكان يأبى تزويجها إلا لمن يستحقها اعتزازاً بها، وكان أحد طلابه ذكيا نجيبا فقام بشرح إحدى مصنفات السمرقندي شرحا وافيا أثلج صدر الإمام فزوجه ابنته هذه، وكان زملاؤه الطلبة يعلقون على ذلك ويقولون : >شرح تحفته فتزوج ابنته< فانظر -يرعاك الله- إلى عزة المسلمات وما وصلن إليه من الفضيلة والكرامة، وانظر -يحفظك الله- إلى نسائنا وفتياتنا اليوم وما وصل إليه حالهن وأمرهن، فما إن يدبر الشتاء بقره وبرده ويقبل الصيف بحره وحرارته حتى ترى العورات تنكشف هنا وهناك أينما ذهبت وارتحلت في الشارع في الحافلة في السوق.. من دون حياء ولا وقار ولا خوف ولا مسؤولية، أما شواطئنا المليئة با لكاسيات العاريات فذاك أمر صار الحليم فيه حيرانا.. فنسأل الله السلامة والعافية.
والحقيقة أن ما وصل إليه المجتمع اليوم عامة والمرأة على وجه الخصوص من التخبط في الظلمات والضلال المبين فإن مرد ذلك كله أن تلك العزة والكرامة التي كانت تتحلى بها المرأة المسلمة الأصيلة الأبية قد غابت بشكل كبير في عصرنا المعاصر -في الأعم الأغلب- فكانت النتيجة بوار المرأة، فالأسرة، فالمجتمع، إلا من رحم ربك.
وبما أن الخير لا ينقطع من أمة سيدنا محمد فقد وجد من النساء والفتيات اليوم من تهتم بأمور الدين وخاصة الإقبال على حفظ القرآن الكريم في المساجد وتعلم العلم النافع وإنها لبادرة خير نسأل الله لها الاستمرارية، أما ظاهرة ارتداء الحجاب في بقاع الدنيا وخاصة العالم الإسلامي فإنه من دلائل الخير مما يؤكد أن الأمة بدأت تستفيق من سباتها إلا أنه لازلنا في حاجة ملحة أكثر من ذلك لتقوم الأمة على ساقها والدفع بها إلى الأمام والرقي بها في سماء الفضيلة والكرامة، وليعلم الآباء والأمهات والمربون أنهم مسؤولون عن تربية بناتهم وفتياتهم وتنشئتهن تنشئة بناءة أصيلة على ما كان عليه السلف الصالح لعل الله يخرج من أرحامهن من يعبد الله وحده ويعيد للأمة مجدها وعزتها وكرامتها بعد أن أصبحت قصعة شهية تتهارش عليها الأمم.