315 فــي حـب الـمصطفى
إن حب رسول الله هو ركن ركين من أركان هذا الدين، ومبدأ أساس من مبادئه، ولا يكتمل إيمان إنسان بدونه، ولا يصح لمسلم أن يكون مترددا فيه، وهذا الحب وإن كان واجبا لعموم أنبياء الله ورسله، إلا أن لنبينا مزيد اختصاص به، ولذا وجب أن يكون حبنا له حبا يفوق حب الآباء والأبناء، والأزواج والعشيرة، والتجارة والأموال، وهذا واضح جلي في قول الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}(التوبة : 24).
ففي الآية وعيد شديد لمن كان حبه للمال أو الولد أو لغيرهما أشد من حبه للمصطفى ، أضف إلى ذلك أن الله تعالى قرن حبه بحب المصطفى ، وفي الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه: >لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ<.
ولا شك أن الأسباب التي تدفع الناس لحب إنسان، ترجع إلى صفة من صفات الجمال والكمال التي يتمتع بها هذا الانسان، فما بالك وقد جمعت كل هذه الصفات في المصطفى ، فإذا كان الرجل يحب لشجاعته فإنه أشجع الشجعان على الإطلاق، وقد وقف في مواجهة المشركين في المعركة وهو يردد بأعلى صوته: >أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب<، وإذا كان يحب لعفوه وحلمه، فإنه ضرب أروع الأمثلة في هذا، ومن ذلك قولته الشهيرة للمشركين يوم الفتح: >اذهبوا فأنتم الطلقاء<، وإذا كان يحب لغير ما ذكر من سعة العلم، أوكمال العقل وموفور الفهم، أو جمال الأدب وحسن الخلق، أو غير ذلك من صفات الكمال، فإنه قد فاق كل بني آدم في ذلك حتى قال فيه كل من نعته : لم ير قبله ولا بعده مثله،
فاق النبيين في خلق وفي خلق
ولم يدانوه في علم ولا كرم
ولذلك كان من الواجب علينا أن نحبه ، ولا سبيل لنا إلى ذلك إلا بالتعرف على شخصه الكريم، لأن المعرفة هي سبب المحبة، وكلما زادت المعرفة بمحاسن المحبوب زادت المحبة له، وهذه المعرفة هي التي جعلت الصحابة ] يضربون أروع الأمثلة في محبته ، ولم يكن الأمر مقتصرا على فئة منهم دون فئة، وإنما كان عاما فيهم جميعا، فهذا عمر ] يقول للنبي : لأنت أحب إلي من كل شئ إلا من نفسي التي بين جنبي، فقال له النبي : لن يومن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه، فقال عمر: والذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحب إلي من نفسي التي بين جنبي، فقال له النبي : الآن ياعمر. وهذه امرأة قتل أبوها وأخوها وزوجها في غزوة أحد، ولم يمنعها ذلك من أن تسأل عن النبي الكريم فقالت: ما فعل رسول الله : قالوا خيرا، هو بحمد الله كما تحبين، فقالت أرونيه حتى أنظر إليه، فلما رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل. (بمعنى هين صغير). وهذا زيد بن الدثنة يختبره المشركون في حبه للمصطفى فيقول: والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة، وأني جالس في أهلي، فقال أبو سفيان :ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا، وطبعا فإن حب رسول الله لا يجب أن يكون شيئا مستقرا في النفوس، من غير أن تكون له مظاهر خارجية تظهر في أعمال الإنسان وتصرفاته، بل إن الحب الصادق للنبي الكريم يجب أن يكون دافعا قويا لاتباع دينه، والاستنان بسنته، واتباع أوامره، والانتهاء عن نواهيه، ولا يعقل ولا يصح أن يكون المرء محبا لرسول الله أشد الحب، ومع ذلك يخالفه فيما يبغضه، إذ لو أحبه فعلا لأطاعه ولما عصى له أمرا، وصدق الشاعر إذ يقول:
تعصى الإله وأنت تظهر حبه
هذا لعمري في الفعال بديع
ولو كان حبك صادقا لأطعته
إن المحب لمن يحب مطيع