314 الجنديات الـمجهولات
من أدبيات بعض الشعوب واعترافا منها بأفضال المخلصين المنكرين ذواتهم القائمين بحق أوطانهم المدافعين عن حوزتها وبالضبط في الميدان العسكري أن تضع نصبا تذكاريا للجندي المجهول تقديرا لكل متفان في خدمة الوطن.
وما أحوجنا اليوم أن نستلهم الرمز في حياتنا ونلتفت إلى شريحة من الناس متأملين حياتها مستلهمين العبرة منها مكبرين أفضالها السابغة. هذه الشريحة ليس بينها عقيد ولا وال ولا وزير ولا كاتبة دولة ..إنما تتشكل من البسطاء القانعين الذين يغدون خماصا ويؤوبون قانعين بما أوتوا . من هذه الشريحة نساء جاهدن في سبيل الوطن في المدن والبوادي بين السهول والجبال أو الحواري وأرقن دماءهن الزكية ولم يحفظ التاريخ أسماءهن….
ومنها عاملات في معامل الأغنياء وضيعات الملاك وبيوت المترفين يقضين سحابة اليوم وقطعا من الليل في بذل الجهد المضني وتحمل العناء وكل ألوان النصب وضروب العذاب ولا يكدن يظفرن ببلغة عيش…
ومن هذه الشريحة أمهات كابدن قلة ذات اليد وعانين الحرمان وصبرن على حياة زوجية تعسة من أجل لم شتات الأسرة وتربية الأبناء والوصول بهم إلى مراقي المجد..ومن هؤلاء الأمهات أرامل مات عائلهن فطفقن يطرقن أبواب الحياة على ضيقها في مكابرة وصبر وتضحية وشرف ليقمن مقام الرجل في تدبير أمر الأسرة وضمان العيش الكريم والرسو على بر المستقبل المشرق لفلذات الكبد..
ومن هؤلاء النسوة فتيات كن في ميعة الصبا وعمر الزهور وبين أيديهن أب مريض أو أم قعيدة أو أخ مدنف أو إخوة أيتام ففضلن أن يدسن زهر الشباب وأن يطفئن نور الصبا ويتجرعن مرارة العنوسة واخترن أن يكدحن ليوفرن لقمة حلالا لمن هم في عهدتهن صابرات محتسبات..
ومن الجنديات المجهولات معلمات أفنين ضوء العين لينرن الطريق أمام المتعلمين ويشدن من هياكلهن قناطر تعبر عليها الأجيال ما توانين وما تمارضن وما تعللن همهن أن يدفعن بقاطرة الوطن إلى الأمام.. فكان من جداهن المهندس والطبيب والعالم… ومنهن موظفات بمختلف القطاعات مخلصات كادحات يرضين بالقليل وينفقن الكثير ويطوين حياتهن بين أوراق تفنى وأخرى تتجدد حتى ينطوين بين ثنايا النسيان.
ومنهن زوجات سامقات النبل فياضات التضحية وقفن إلى جانب أزواجهن في محن شتى في المرض والفقر والسجن وعند تكالب الحياة وتفرق الأحباب والخلان فكن ظهرا وسندا وظهيرا على مصائب الدنيا.
هؤلاء جميعا وغيرهن نموذج للجنديات المجهولات اللواتي يجدر بهن التكريم والإكبار ويستحققن من مجتمعهن أن يقلدن شارات المجد والعزة وما أكثرهن داخل المجتمع وما أجدرهن بأن نحني رؤوسنا تواضعا لقاماتهن الشامخة وأن نقيم لهن نصبا كتب عليه بماء التقدير… إنهن الجنديات المجهولات…