315 أوباما… ذلك الأمل الكاذب
ثرثر العرب طويلا حول أوباما مذ كان مجرد الموعود للزعامة في البيت الأبيض… تحدثوا حول خصاله ومقومات شخصه… اشتموا فيه “عبق” “الجارة” إفريقيا، وشعروا حياله -وهو المتباهي بمسيحيته- بمشاعر “الأخوة” في الإسلام، ثم وهم أصحاب الحس الرهيف والقلوب السابحة في عوالم العواطف الجياشة توسموا في عهده انهمار الخيرات، واستنتجوا قرب زوال العثرات والصعوبات…
فهم المتفائلون دائما وأبدا… وما لهم في التحقق من الأمور من رغبة، ولا لهم في الرؤية الدقيقة إلى المعطيات المتاحة من طلب… ينضحون بالنوايا الحسنة، وحتى ينأون بأنفسهم عن تبني وجهات النظر المتشائمة…
كال لهم بوش الصفعات تلو الأخرى، وما فعل الرؤساء الأمريكيون السابقون غير ذلك… لكنه الأمل أزلي وكامن في حناياهم، ويحذوهم إلى استشراف المستقبل الزاهر لهم ولقضاياهم.
قضيتهم الكبرى -فلسطين المغتصبة- ما فتئت تُنكأ جراحُها وتعمق من طرف ذلك العدو وحليفته الوفية الولايات المتحدة ، ومع ذلك فالرجاء في الخير طافحة به القلوب… والإحساس بقرب الفرج مليئة به النفوس… فالمتوج على عرش البيت الأبيض “لا بد وأن لا ينسى” أنه ابن “مسلم” قدم من العالم الثالث يشبههم، وسليل لفصيلة السود المنبوذين مثلهم، مقومات حتمًا تجعل منه -حسب الظن منهم- ذلك الميال ولوبنسبة ما لمناصرة مواقفهم، أوعلى الأقل عدم تغليب مواقف العدوضدهم..
لكنهم نسوا -أوتجاهلوا- أن اللوبي الصهيوني الحارس الأمين للولايات المتحدة الأمريكية والمؤسس لتصوراتها حول القضايا العالمية ، ما كان ليسمح له بالبروز أصلا ولا بالترشيح لذلك الإفريقي الأسود، لوأنه ما كان المستوعب للأمور قبلا، والمظهر عن القدرة على الإدراك لمجريات الأحداث ولصيروراتها مسبقا.
بنى ذلك اللوبي منذ زمن صرح شبكة متماسكة رُبطت خيوطها بكل أدوات إنتاج القرارات،وليس له النية في أن يتراجع أويتوانى عن كونه الآمر بالتشغيل، والقادر المؤثر في كل المسارات.
وُضع أوباما في المكتب البيضاوي وعليه طبعا أن يرد الجميل… أوبالأحرى عليه فقط أن يصمت ويُطبق الأوامر وينجز المطلوب…
ف”رام إيمانويل” هوالشخص الذي قُرِّر أن يكون المدير للبيت الأبيض… والمدير طبعا لتوجهات الرئيس الجديد… وهوأيضا اليهودي العقيدة، الإسرائيلي الأصول، والمعروفة مواقفه من قضية الشرق الأوسط لأنه كان المستشار السياسي للرئيس السابق بيل كلنتون:
“…وينحدر إيمانويل من أسرة إسرائيلية، حيث إن والده إسرائيلي من مواليد مدينة القدس، وكان عضوا في مليشيا أرغون الصهيونية الناشطة إبان فترة الانتداب البريطاني في فلسطين. كما عمل رام إيمانويل متطوعا مدنيا في قاعدة للجيش الإسرائيلي أثناء حرب الخليج الأولى عام 1991, فضلا عن كونه العضوالديمقراطي الوحيد من ولاية إيلينوي في الكونغرس الذي صوت لصالح الحرب في العراق عام 2003…”(1).
عناصر هوياتية “مشرفة” وماض أسري “حافل”، وهذه المقومات أهلته لاستحقاق الثقة اللازمة للحصول على المنصب الحساس ، فلقد تلقى التربية الدينية المبنية على أسس اليهودية الصهيونية على يد والديه المتدينين،وكان يقضي أيام الإجازات في مخيمات التكوين في إسرائيل عندما كان الطفل بهدف استكمال مقومات الشخصية، ومن أجل ترسيخ عناصر الانتماء(2).
إنها جهود لم تذهب سدى بل أثمرت ثباتا على المرجعية العقدية، والتزاما بكل تفاصيل مبادئها،فهويرسل أبناءه إلى مدرسة عبرانية ،ولم يسمح لنفسه بالعمل في أحد أيام الأعياد اليهودية ـ روش هاشانا ـ إلى حين حيازة فتوى من قبل حاخام أباحت له فعل ذلك…(3).
ولما لم يكن الإخوة في العقيدة في إسرائيل يجهلون أو يتجاهلون أهمية هذا الاصطفاء لأخيهم،فقد أعطوه القيمة الرفيعة الدالة على الاحتفاء به، ووهبوه الدرجة السامية المبينة للاحتفال بتعيينه:
“…لهذا لم يكن غريبا أن تفرد وسائل إعلام إسرائيلية مساحات واسعة للحديث عن إيمانويل وتشدد على أصوله الإسرائيلية.في هذا الإطار ذكرت صحيفة هآرتس في عددها الصادر الخميس (6/11/2008) أن بنيامين إيمانويل والد رام هاجر مع أسرته في الستينيات إلى الولايات المتحدة وأقام في شيكاغو.وفي العام 1997 أدى إيمانويل خدمة عسكرية لفترة قصيرة في إسرائيل، حسب ما ذكرت صحيفة هآرتس، وفي الفترة التي سبقت حرب الخليج في 1991 تطوع في مكتب للتجنيد تابع للجيش الإسرائيلي. كما قالت صحيفتا هآرتس ومعاريف إنه خدم لمدة شهرين في وحدة كلفت بإصلاح الآليات المصفحة قرب الحدود الشمالية مع لبنان..”(4).
إنه الاحتفاء يعكس الاعتزاز بالشخص، وأيضا يظهر عمق إدراك قدر المنصب:
“… وبدورها وصفت صحيفة معاريف رام إيمانويل بأنه “رجلنا في البيت الأبيض”، كما ورد في عنوان مقال بهذا الخصوص…”(5).
وإنه الاحتفال الذي يوحي بمعرفة أهمية المكانة في النظام الرئاسي الأمريكي:
“…يشار إلى أن كبير موظفي البيت الأبيض هوأكبر موظف معين في البيت الأبيض، ويعمل بوصفه واحدا من اقرب مستشاري الرئيس ،ويمكنه اتخاذ القرار فيما يتعلق بمن يمكنه مقابلة الرئيس، بينما يقوم أيضا بتطوير سياسات الإدارة…”(6).
ولم يكن الإسرائيليون ليَبْدُوا أكثر وعيا من والد “رام” بنيامين إيمانويل بالرفعة التي أصبحت من نصيب ابنه… إذ تحدث قائلا عنه:
“…طبعا سوف يؤثر في الرئيس باتجاه مصلحة إسرائيل…!! ولم لن يفعل؟ من يكون هو؟هل هوعربي؟ لا… لن يذهب إلى البيت الأبيض من أجل تنظيف الأرضيات…”(7).
ثقة بالنفس بالغة ،واعتداد بالذات متفاقم، واحتقار للخصم ـ العرب ـ متسامق …وطبعا وضوح في الرؤية باهر، ويبرز التخطيط المسبق والتنظيم الدقيق.
هي إذا الشخصيات المناسبة في الأماكن المناسبة… فأوباما مجرد القطعة التي ستتوسل من أجل التوصل إلى الأهداف ،ومن أجل استكمال تنفيذ الخطة…
وهكذا يبدوأن الوضع حالِكٌ رغم الرغبة في استحضار النور :
رئيس ما انتخب حتى حصل على مباركة اللوبي الصهيوني.
رئيس ما انتُخب حتى زار حائط المبكى.
وراسخون من ذلك اللوبي حاضرون ومحيطون بذلك الرئيس فكيف ينفذ النور؟!
أوما زال بعد كل هذا من شذرات من التفاؤل يمكن أن يأمل فيها أولائك العرب “المتفائلون” ؟؟؟
——
1 ـ 4 ـ 5 ـ 6 :موقع الجزيرة الرابط:
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/9FA68894-9C61-4411-A21E-0FA314451808.htm1
2 ـ 3 ـ 7 : عن جريدة لومند الفرنسية الرابط:
http://www.lemonde.fr/ameriques/article/2009/01/10/rahm-emanuel-un-bouledogue-a-la-maison-blanche_1140204_3222.html
نشر في العدد 189 ـ جريدة العرب الأسبوعي