إن الواقع المتردي للتعليم ببلادنا، مما وقعت الإشارة إليه في الحلقات السابقة من هذا العمود، قد أفرز حصيلة ضعيفة، تتجلى بكل وضوح فيما يُكتب على أوراق الامتحان من أجوبة، أو يقرع المسامع أثناء المقابلات الشفوية. وبالتأكيد فإن هذا الوضع غالب، لكنه ليس مطلقا، فهناك حالات من النُّبغاء التلاميذ والطلبة الذين يبهرون فعلا أساتذتهم، ويحصدون نتائج تفرحُ قلوب الجميع، لكن حالتهم حالة استثنائية ولا عبرة بالاستثناء كما يقالُ، مادام الاستثناء يشكل أقلية وليس أكثرية. وبالتأكيد أيضا فإن هذه الأقلية ليست محصورة في المدارس الخصوصية كما قد يظن البعض، ولكنها موجودة أيضا في المدارس العمومية، شأنها شأن فئة الأغلبية الموجودة أيضا هنا وهناك. فليعذرني الجميع أساتذة وطلبة وتلاميذ وآباء عما سأقدمه من نماذج تعبر عن الحصيلة الهزيلة للمستوى الذي نعيشه، ذلك المستوى الذي نتقاسم جميعا المسؤولية عنه، كما سبق الذكر في مقالات سابقة، وليست مقصورة على طرف دون آخر. وهذه بعض النماذج من المستوى الضعيف الذي نعيشه في مؤسساتنا التعليمية في تخصصات مختلفة :
النموذج الأول : لَمْ : تنصب الاسم وترفع الخبر. المتنبي : نبيٌّ عاش بعد مجيء الإسلام. الأندلس : حضارة كانت قبل ميلاد المسيح بأربعة قرون. أرسطو : عاش في القرن الرابع الهجري. ابن أجروم : شاعر جاهلي. ابن طباطبا : فيلسوف يوناني. المغناطيس : كتلة حديدية في شمال الكرة الأرضية.
النموذج الثاني: – عُرّام من الألفاظ والمعاني – الحركات الإصلاحية التي جاء بها الاستعمار إلى المغرب – ظاهرة الزلازل التي يعود سببها إلى عدم استقرار الأرض. – الاستن شاق والاستن ثار، الأن بياء (يقصد الاستنشاق والاستنثار – الأنبياء).
النموذج الثالث : – سئل أحدهم في تخصص الشريعة في امتحان شفوي عن أركان الإسلام فلم يعرفها.
- وسئل آخر في تخصص الجغرافيا عن الفرق بين المحيط الأطلسي وبين البحر الأبيض المتوسط، فلم يستطع الجواب.
- وسئل ثالث في تخصص اللغة العربية وآدابها عن المراحل الكبرى التي عرفها تاريخ الأدب العربي فلم يجب أيضا.
- وطُلب من رابع في تخصص الفرنسية كتابة عبارة (cصest comme ça) فلم يهتد إلى ذلك. – وطُلِب من خامس في تخصص الفلسفة ذِكْر أسماء بعض الفلاسفة المسلمين فلم يتذكر أي واحد منهم. من الطبيعي أن يقع الإنسان في أخطاء، ولقد ألَّف أسلافنا في الأخطاء اللغوية التي كان يقع فيها الخاصة والعامة على حد سواء. لكن هناك أخطاء يمكن أن تكون “مقبولة” وسهلة المعالجة، لأنها أخطاء، في مقابل أخطاء أخرى لا تُغتفر، وخاصة حينما تصدر عن شخص لا يعرف أنه مخطئ، أو أنه مُصِرٌّ على خطئه بإصراره على عدم الإقبال على التعلم من أجل تصحيح ما يقع فيه من أخطاء.
إن هذه النماذج التي قدمناها من الأخطاء هي نماذج لمسلسل كبير من الأخطاء التي تدل على الضعف الكبير في التحصيل والتكوين. ومن الواضح أن هذه الأخطاء ترتبط بمعلومات بسيطة، وليست معقدة أو تخصصية، كما أنها أخطاء لا تتعلق بالمستويات الدنيا من التعليم، بل إنها ترتبط أيضا بالمستويات العليا من طلبة الجامعات، وإذا أضيفت إلى هذه النماذج من الأخطاءِ، الأخطاءُ الأخرى التي تدخل – لكثرتها وشيوعها ـ في دائرة الأخطاء الشائعة كالأخطاء اللغوية (معجما ونحوا وإملاء وتركيبا وتعبيرا شفويا كان أو مكتوبا) والأخطاء في الفهم والاستيعاب والتصور) فإن الحصيلة تكون أثقل بكثير، ينوء بحملها كل إصلاح لا يروم البحث عن الأسس والخلفيات والأطراف التي لها دور في هذا التردي بهدف معالجة المشكل هناك من أساسه وجذوره. كما أنها تعبر عن المصير الخطير والمجهول الذي ينتظر فلذات أكبادنا مع كل دورة تـنتج هذا المستوى المتردي من التحصيل، والذي قد يجعل مع ـ مرور الأيام ـ المعارف والمعلومات مجموعة من الطلاسم، أو مجموعة من المعلومات المقلوبة، التي لا علاقة لها بالحقيقة العلمية.
د.عبد الرحيم الرحموني