مقومات سلوكية (في العلاقة مع طالب القرآن) : هي الأخلاق العملية الصادرة عن معلم القرآن تجاه طلبته، قبل وأثناء وبعد التلاوة والتحفيظ بقصد الترقية والتزكية لهم، وذلك بلسان الحال قبل لسان المقال، وهو سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصحابة، قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ}(آل عمران : 164).
من بين هذه المقومات:
أ- إشعار الطلاب بمحبته لهم عمليا: وذلك بإيصال المستطاع من الخير إليهم، ومعاملتهم بطلاقة واستبشار، والسؤال عن أحوالهم، إرشادهم في أخلاقهم وتحصيلهم ومصالحهم القريبة والبعيدة .. وانتقاء أحسن الألفاظ للمعاتبة أو التحفيز… لما له من تأثير قوي على المتعلمين وتشويقهم للمتابعة والارتقاء .. عن الْحَكَم بْن عَبْدَةَ عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (((سَيَأْتِيكُمْ أَقْوَامٌ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَقُولُوا لَهُمْ مَرْحَبًا مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلموَاقْنُوهُمْ” قُلْتُ لِلْحَكَمِ: مَا اقْنُوهُمْ؟ قَالَ: عَلِّمُوهُم))(1).
ب- الحرص الشديد على التحصيل الجيد: وذلك بالاجتهاد في النصيحة للطلبة في العرض والاستماع والتصحيح والتوجيه والمتابعة.. وكل ما يتعلق بتعليم القرآن الكريم على أحسن الوجوه، وأن يرفع من همهم وهمتهم بحيث يكون القرآن وتعلمه همهم الشاغل حفظا وتخلقا وتحققا..؛ باعتبار القرآن الكريم وتعلمه أساس نهضة الأمة وعودتها إلى مكانتها التي كانت عليها قبل. وهو في ذلك يقتدي بحرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أتباعه؛ الذي قال عنه الله تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }(التوبة : 128).
ج- الصبر على المتعلمين: وهو من الأخلاق العالية التي تؤهل صاحبها للإمامة والقيادة، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ }(السجدة : 24). ومعلم القرآن إمام وقائد لطلبته للتمسك بهذا القرآن الكريم ورفعة شأنهم به كما قال الله تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}(الزخرف :43-44). وللارتقاء بالطلبة إلى هذا المرقى العالي لابد من الصبر معهم والصبر عليهم كما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }(الكهف28).
د- التواضع والألفة: التواضع من أخلاق الأنبياء والمرسلين قدوات المعلمين، ومن ثم فالمعلم المتواضع يرفع الله مقامة عنده فيكون ذلك سببا في ألفته والإقبال عليه وقبول ما يصدر عنه من خير، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ))(2).
وعن ابي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا الموطئون أكنافا الذين يألفون و يؤلفون و لا خير فيمن لا يألف و لا يؤلف))(3)
هـ-العدل بين الطلبة: فلا ينبغي لمعلم القرآن أن يقرب طالبا على حساب آخر للمكانة الاجتماعية أو لقرابته أو لغناه… لأن ذلك له تأثير بليغ في النفوس؛ قد يؤدي إلى الحقد والحسد .. ويؤثر سلبا على التحصيل العلمي. ولما في ذلك من ظلم لغير المقربين عواقبه وخيمة عند الله تعالى.
و- مراعاة الفروق الفردية والتدرج في التحفيظ: الطلبة ليسوا على درجة واحدة من الملكات والاستعدادات للتعلم والتحصيل، ومن ثم وجب التعامل مع كل فرد حسب ملكاته واستعداداته وقابلياته حتى لا يسأم ولا يمل أي منهم، فيفر من حلقة التعليم.
ويمكن الاستئناس في ذلك بما جاء عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلاَّ كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً(4).
ز-الحلم: طلبة العلم ليسوا على درجة واحدة من حيث الآداب والأخلاق مع شيوخهم فمنهم المبتدئ والمنتهي وما بينهما من مراتب، ومن ثم قد يجهل الطلبة على شيخهم ومعلمهم فلا يحملنه ذلك على الانتقام، بل يحلم عليهم فيحفظ اللسان من التحقير والغيبة والشتيمة والشماتة.. وليحرص على العفو والصفح والتميز في الكلام من حيث طيبه وتحري الصواب .. جاعلا القرآن والسنة دليلا.
ومن ثم كان الحلم من أحب الخصال إلى الله تعالى. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلْأَشَجِّ أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: ((فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ ))(5)
مقومات علمية :
- إتقان مادة التخصص؛ أي تعليم القرآن الكريم من حيث إتقان الحفظ وأداء التلاوة والرسم وقواعد وضوابط كل منها، ومعرفة مواطن التشابه وحفظ النصوص المعينة على ذلك… ومن المهم جدا معرفة معاني ألفاظ وآيات القرآن الكريم؛ ولو من تفسير مختصر؛ كمختصر تفسير ابن كثير. للصابوني. وفي الختام هذا غيض من فيض مما يسر الله من التيسير وقدر من التقدير في الموضوع، سائلا الله تعالى أن يكثر من سواد أهل القرآن وأن يجعلنا منهم.
د. إدريس مولودي
———-
1 – سنن ابن ماجه باب الوصاة بطلبة العلم الحديث رقم 247. (1/ 288) قال الشيخ الألباني : ( حسن ) انظر حديث رقم : 3651 في صحيح الجامع.
2 -أخرجه مسلم في صحيحه كتاب البر والصلة بَابُ اسْتِحْبَابِ الْعَفْوِ وَالتَّوَاضُعِ رقم 2588.
3 -أخرجه الطبرانى فى الأوسط رقم 4422وأخرجه أيضا : الطبرانى فى الصغير رقم 605 . وقال الشيخ الألباني: (حسن) انظر حديث رقم :1231 في صحيح الجامع.
4 -رواه مسلم في مقدمة الصحيح الحديث رقم 14.
5 – أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الإيمان بَابُ الْأَمْرِ بِالْإِيمَانِ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَشَرَائِعِ الدِّينِ، وَالدُّعَاءِ إِلَيْهِ رقم25.