عود على بدء:ولباس التقوى عودا على بدء نقول إن اللباس لا يصنع الراهب، حيث لا بد من أن يخالط القلب بشاشة الإيمان وبرد اليقين حتى يرتقي المرء إلى درجة العبودية لله التي هي أعلى المقامات وأرفع الدرجات.لقد أكدنا من خلال ما سبق أهمية اللباس، ودوره في صناعة التاريخ، وتبين لنا أن اللباس ليس مجرد زينة ظاهرية، ولا شكلا محضا..ولا نريد أن نكون كالتي نقضت غزلها فنضرب صفحا عن الظاهر انتصارا للباطن، بل نريد الإفصاح عن حقيقة مفادها أن الفطرة قائمة على التوازن في كل شيء.. فكما أن من الخطأ الانتصار في الفن للفائدة على حساب المتعة، أو للجمال على حساب الحق، حيث لا نبلغ ذروة الجمال الصافي إلا باتباع الحق، فهما وجهان لأمر واحد، فكذلك نقول إن اللباس وحده لا يغني ما لم يلتزم صاحبه بحقيقة ما يدل عليه، ولا يثبت صفاء الباطن ما لم ينعكس على الظاهر، إنه مرتبط بالجوهر ارتباطا وثيقا. والذي يريد أن يجعله مجرد مظهر، أو يجعله يخفي حقيقة الأشياء يكون قد جنى على الحق نفسه.
فالذي يلبس لباسا ما مدعو إلى أن يعطيه حقه، كالذي يريد أن يلبس لباس العلماء فإنه مدعو إلى أن يتخلق بأخلاقهم، وإلا كان متطاولا. والقاعدة الشرعية هي التي يجملها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم))(رواه مسلم، وأورده في رياض الصالحين)، فالقلب هو مدار الأمر كله، والقلب هو محل التقوى، ومستودع اليقين، ولا خير فيمن يتزيى للناس ثم هو ينتهك حرمات الله عز وجل في الخفاء. {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم}(النساء:108). فمراقبة الجوهر أولى من مراقبة المظهر، ولكن ذلك لا ينبغي أن يكون مدخلا إلى أراجيف المبطلين الذين يقولون إن التعلق باللباس تعلق بالأشكال، ويتخذون ذلك وسيلة إلى الدعوة للتعري والعهر والانحراف، فقد أكدنا من قبل أن الفطرة السليمة تأبى ذلك، وأن الستر هو الأصل، والعري انحراف عن الأصل.والذي نريد أن نصل إليه هو ضرورة أن يظاهر الظاهر الباطن. والحق أن صلاح الباطن مفض إلى صلاح الظاهر، كما قال البوصيري رحمه الله تعالى:
وإذا حلت الهداية قلبا
نشطت للعبادة الأعضاء
كما أن صلاح الظاهر معين على صلاح الباطن، فالتجمل يفضي إلى بلوغ الجمال، والتعلم يؤدي إلى حصول ملكة العلم،والخشوع في الصلاة بحاجة إلى مجاهدة: (فإن لم تبكوا فتباكوا).ونحن في زمن نرى فيه القابض على دينه كالقابض على الجمر. ومن مظاهر محاربة الحق هذا الهجوم الشرس على الحجاب الشرعي في الشرق والغرب، ومما يؤسف له أن بعض الأنطمة في بلاد المسلمين تبتدع من الأسماء ما تحارب به الحق، فتسمي اللباس الشرعي بــ (اللباس الطائفي)، هذا بالرغم من أن كل سكان تلك البلاد مسلمون، وعلى مذهب واحد هو المذهب المالكي، ولكنها أراجيف الشياطين الذين يوحون إلى أوليائهم زخرف القول غرورا.ولقد بين الصبح لذي العينين، وآن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق.وصدق الله إذ يقول: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير} والحمد لله رب العالمين.
د. حسن الآمراني