لا يكاد يختلف اثنان في أن التعليم عندنا يعاني فعلا من أزمة حقيقية، على الأقل من جانبين : جانب المستوى المعرفي والتحصيلي الذي تراجع بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة في معظم الشعب والتخصصات هذا الاستثناء يُدفع دفعاً ويُمْسَكُ إمساكاً للحفاظ على هذه الحالة عن طريق الساعات الإضافية وساعات الدعم الليلية والنهارية على حد سواء، وإلا فإن واقع التعليم مُرّ ببلادنا.
- وجانب ضعف إسهامه في التنمية العامة للبلاد، حيث تشكو مُخرجات العديد من التخصصات من ضعف ملموس من الاندماج في الحياة العملية والإنتاجية بسبب البطالة التي يشكو منها معظم خريجي هذه التخصصات. ولئن كان الجانب الثاني نتيجة حتمية للأول، حيث لا يُنتظر ممن يشكو ضعفا في التكوين أن يقود قاطرة التنمية في البلاد فإن الدورة الحلزونية للمُنتَجِ والمُنتِج يؤدي إلى تفاقم الوضعية أكثر مع مرور الزمن، إن لم يُتدارك هذا الوضع بإصلاحٍ حقيقي شامل. ولو نظرنا إلى واقع التعليم لنستقي منه بعض اللمحات المرة، فإنه يُمكن أن نشير إلى ما يلي :
> كثير من المدارس العمومية، وخاصة في الوسط القروي لا تتوفر على الشروط اللازمة للتحصيل، إما بسبب غياب المدرس المتكرر، أو بسبب إهماله وقلة عطائه، وإما بسبب كثرة ما أُسند إليه من مستويات، حيث إن هناك معلمين تُسند إليهم مستويات عديدة قد تصل إلى تغطية جميع المراحل الابتدائية في شقيها العربي والفرنسي، والنتيجة تخريج تلاميذ لا يستطيعون حتى قراءة نص مكتوب بشكل سليم فكيف بكتابته.
> سيطرة الساعات الإضافية في جميع مراحل التعليم، سيطرة تامة، بما في ذلك المراحل الابتدائية، وأيضا حتى في الوسط القروي، وليت شعري إذا كان الطفل منذ مراحله الأولى يُرهق بالحضور في أكثر من “مجلس تعليمي”، يُعتمد فيه أكثر على شحن المعلومات، كيف سيكون موقف هذا الطفل من التعليم وهو يرى أنه يُكلفه وقتا ليس باليسير ثم يرى بعد ذلك حينما ينضج فكره أن والديه يكدحان كدحا من أجل تحقيق مصروف هذه الساعات التي خضعت بشكل واضح للمضاربات الاستثمارية، بل كيف يكون موقفه ونحن نرى عددا من الآباء “يُلزمون” أبناءهم بدراسة المادة ثلاث مرات :
- مرة داخل المؤسسة الرسمية من أجل إثبات الحضور والانتظار.
- ومرة ثانية عند مدرس المادة خارج الإطار المدرسي لكي يحصل على النقط العالية.
- ومرة ثالثة عند مدرس آخر لكي يتمكن من التحصيل في المادة. ولابد من الإشارة هنا إلى أني لا أحمل الأستاذ المسؤولية فقط، ولا التلميذ فحسب، ولا الأب أيضا، فقد يكون أبعد من أن يدرك خطورة هذا المسار، ولكن المسؤولية يتقاسمها الجميع، بدءا من المدرس ومرورا بالتلميذ وولي أمره، وانتهاء بالمنظومة التعليمية ومن خلفها ممن يُدبّر شأنها ويلي أمرها. هذه اللمحات البسيطة تجر وراءها ثِقَلاً كبيراً يُمكن أن تُسَوَّد فيه الصفحات الطوال لما لها من دور في عرقلة المسيرة الطبيعية للتعليم. وهدفنا هنا، تشخيص الداء ولو بصورة سطحية من أجل وصف الدواء، غيرة على وطننا ومستقبل التعليم فيه لا غير.
د. عبد الرحيم الرحموني