هكذا تاب بِشْر.. فمتى نتوب؟
ذ. امحمد العمراوي
من علماء القرويين
amraui@yahoo.fr
يؤلمني جدا ما أجده في بعض الطرقات من أوراق ملقاة على الأرض قد كتب فيها اسم الله عز وجل، تطؤها الأقدام، وتعبث بها الأرجل، ويؤلمني أكثر أن أجد أوراقا أو جزء أوراق من المصحف الشريف في الشارع العام، تنقلها الريح من مكان إلى مكان، وأسوأ من ذلك أن تجد المصحف الشريف ممزقا بصورة تدمع لها العين وينفطر لها القلب في بعض دور القرآن الكريم، ومراكز تحفيظه، التي يفترض فيها أن تكون أول من يعتني به، وأما في مدارس التعليم العمومي فقد وُجدت غير ما مرة في بيوت الخلاء يستجمر بها التلاميذ!!!
لقد تعلمنا من شيوخنا ونحن صبية صغار أن لا نضع اللوح الذي نحفظ فيه القرآن الكريم على الأرض، وتعلمنا منهم ألا نفرغ الماء الذي نمحو به الألواح في مكان تطؤه الأقدام، أو تمر منه الدواب، كنا نضع ماء المحو في البئر أو في الأبنية العالية جدا أو في أحواض الأشجار، ووجدنا بعدُ أن هذا من عمل سلفنا الصالح رضي الله عنهم، لقد سبق لي أن وقفت على شيء من هذا في المعيار عن ابن وهب وغيره.
قال القرطبي: قال سعيد بن أبي سكينة: بلغني أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نظر إلى رجل يكتب “بسم الله الرحمن الرحيم” فقال له: جودها فإن رجلا جودها فغفر له” قال سعيد: وبلغني أن رجلا نظر إلى قرطاس فيه” بسم الله الرحمن الرحيم” فقبله ووضعه على عينيه فغفر له(1¨(
ويحسن في هذا المقام أن أذكر بموقف لبشر الحافي رحمه الله كان سبب توبته، ذلك أنه أصاب في الطريق ورقة مكتوبا فيها اسم الله عز وجل قد وطئتها الأقدام، فأخذها واشترى بدراهم كانت معه “غالية” أي قارورة طيب- فطيب بها الورقة وجعلها في شق حائط، فرأى في النوم كأن قائلا يقول له: يا بشر، طيبت اسمي لأطيبنك في الدنيا والآخرة، فلما انتبه من نومه تاب(2)!! فبشر رحمه الله اهتم بالأمر غاية الاهتمام، فاشترى الطيب بما كان معه من مال، ونظف الورقة، وطيبها، ثم وضعها بحيث لا تنالها الأرجل، ولا تطؤها الأقدام، فأحسن الله جزاءه، ووفقه للتوبة والإنابة.
————
1- الجامع لأحكام القرآن 1/91
2- الرسالة القشيرية 1/48