392 إلى أن نلتــــــقي “ما المسئول عنها بأعلم من السائل”
د. عبد الرحيم الرحموني
هكذا كان جواب الرسول صلى الله عليه وسلم، لمن سأله : متى الساعة؟ وهو جواب يدل بكل وضوح على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو النبي الموحَى له- لم يكن يعلم متى قيام الساعة، فكيف بإنسان أو حتى بمجموعة بشرية ليس لها هذا الاتصال الحقيقي بعالم الغيب، أن تعلم متى ستكون نهاية العالم.
بل إنه حتى في اسم هذا الحدث بالساعة -كما جاء في فيض القدير-: دلالة على وقوعها بغتة، أو لسرعة حسابها، أو لطولها، فهو تلميح كما يقال في الأسود كافوراً، ولأنها عند الله تعالى على طولها كساعة من الساعات عند الخلائق.
صحيح أن الإنسان -فيما يبدو- كان عنده هذا الهاجس منذ القديم، حيث كان يحب أن يعرف متى ستكون هذه النهاية، لكن حكمة الإسلام تأبى ذلك، ومن ثَم أكد الله تعالى هذه الحقيقة في محكم كتابه أكثر من مرة، من ذلك قوله عز وجل: {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا، قُل إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي، لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ. ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ، لا تَاتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً ،يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا، قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ ،وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}(الأعراف :187).
كما بين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، في أكثر من حديث، أن قيام الساعة لا يعلمه إلا الله، ولذلك كان يجيب السائل عنها بأجوبة تناسب المقام، فحينما جاء رجال من الأعراب إليه صلى الله عليه وسلم، فسألوه: متى الساعة؟ فنظر إلى أصغرهم فقال: ((إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم))، يعني موتهم. (أخرجه البخاري). وذلك لأنهم كانوا أعرابا، فلو قال لهم: لا أدري، أو عِلْمها عند الله، فلربما ارتابوا؛ فكلّمهم بكلام فيه تعريض.
وفي حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الساعة فقال للسائل: وماذا أعددت لها؟ قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: أنت مع من أحببت. (أخرجه البخاري). وهذه إجابة توجه انتباه السائل إلى ضرورة العمل والتزود لما بعد هذه الساعة، عوض التفكير في وقت حدوثها.
قال الألوسي في روح المعاني: “وإنما أخفى -سبحانه وتعالى- أمر الساعة لاقتضاء الحكم التشريعية ذلك؛ فإنه أدعى إلى الطاعة، وأزجر عن المعصية، كما أن إخفاء الأجل الخاص بالإنسان كذلك”.
وإخفاء أمر الساعة، سواء أكانت ساعة الإنسان بصورة فردية، أو نهاية العالم بصورة عامة، أدعى لعمارة الأرض وتنميتها، والحديث الذي رواه البخاري في الأدب المفرد عن أنس بن مالك رضي الله عنه واضح الدلالة في هذا الباب، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة (أي نخلة صغيرة) فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها)).
ومعنى هذا أن وقت نهاية العالم لا يعلمه إلا الله، وعلى المسلم أن يعتقد بذلك اعتقادا راسخا دون أن يشوش باله مشوِّش. ويمكن أخذ العبرة مما سبق، فلقد مرت على البشرية في العقود الأخيرة عدة تكهنات بنهاية العالم، ناتجة عن اعتقاد فاسد أو اجتهاد غير سليم، ومرت تلك الأيام المتوقعة دون أن يحدث أي شيء، لأن الغيب لا يعلمه إلا الله ولا يمكن لأي عقيدة بشرية أن تتنبأ بأي شيء من ذلك.