392 إشراقة مبدأ المراقبة
ذ. عبد الحميد صدوق
عن أبي ذر جندب بن جنادة، وأبي عبد الرحمان معاذ بن جبل رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن))(رواه الترمذي : وقال حديث حسن) .
لقد تربع النبي صلى الله عليه وسلم فوق قلة الخلق العظيم كما وصفه المولى : {وإنك لعلى خلق عظيم}(سورة القلم : 4) ليكون بارزا للناس على ذروة سنام الفضائل، لرصد القدوة الحسنة من لسان حاله، إذ ملاك دعوته صلى الله عليه وسلم إتمام مكارم الأخلاق، وهداية النفوس لكمال الصفات، قال صلى الله عليه وسلم : ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق))(رواه مالك وصححه الحاكم).
يقول المباركفوري رحمه الله تعالى : “وخالق الناس بخلق حسن” أي تكلف معاشرتهم بالمجاملة في المعاملة وغيرها من نحو طلاقة وجه وخفض جانب، وتلطف وإيناس، وبذل ندى، فإن فاعل ذلك يرجى له في الدنيا الفلاح، وفي الآخرة الفوز بالنجاة والنجاح(تحفة الأحوذي ج 6، ص : 87).
عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “لا يسأل الرجل فيم ضرب امرأته” رواه أبو داود وغيره. فلعله ضربها فيما لا ينبغي. ذلكم من أسرار الزوجية وحقوق الفراش.
إن التخلق مع المرأة بحس المراقبة لله في إيفائها حقها وعدم ظلمها هو حقيقة المراقبة، يقول محمد الغزالي رحمه الله : ذلك أن المسلمين انحرفوا عن تعاليم دينهم في معاملة النساء وشاعت بينهم أحاديث موضوعة… انتهت بالمرأة المسلمة إلى الجهل الطامس والغفلة البعيدة عن الدين والدنيا معا. كان تعليم المرأة معصية، وذهابها على المسجد محظورا، وكان اطلاعها على شؤون المسلمين وانشغالها بحاضرهم ومستقبلهم شيئا لا يخطر بالبال، كان ازدراء الأنوثة خلقا شائعا والسطو على حقوقها المادية والأدبية هو العُرف المستقر!.. ومضوا في جهالاتهم حتى قصروا وظيفة المرأة دينا ودنيا على الجانب الحيواني وحده (تحرير المرأة في عصر الرسالة ج 1، ص : 5).