عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله. ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه))(1)
قال صلى الله عليه وسلم : ((… ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله…)).
يقو ل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}(النور : 19) .
هذا الوعد الشديد مظهر من مظاهر حرص الإسلام على نظافة المجتمع وعفته، لما توفره من المحبة والاحترام والتقدير ببين أفراده بالإضافة إلى ما يشعرون به من الأمن على أعراضهم .
وقد حرم الله تعالى الفواحش كلها قال تعالى : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}(الأعراف : 33).
وبعد أن نهى الله تعالى عن الفواحش جملة ذكر بالتفصيل بعضها لكثرة شيوعها وقبح نتائجها منها فاحشة الزنا ، فنهى عنها وعن الاقتراب منها ومن أسبابها وتوعد فاعلها بأنواع من العقوبات قال تعالى : {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا}(الإسراء : 32).
والزنا من المعاصي التي لا تباح بأي حال من الأحوال ولا تدخل في قاعدة :”الضرورات تبيح المحظورات” . فالقرآن كان واضحاً في خطابه ولم يجعل للرجال من النساء ولا للنساء من الرجال نصيباً إلا في الإطار الشرعي وقال تعالى : {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ..}(النور : 33).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء))(2).
ولا شك أن طهارة المجتمع التي تمثل مقصداً شرعياً أساسياً هي مسؤولية يتقاسمها الرجال والنساء، لأن كل فريق بمقدوره أن يؤثر على الآخر بما جبله عليه من حبه وبما أودع الله تعالى فيه من ميل إليه ولذلك قال الحبيب صلى الله عليه وسلم : ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ولا على النساء من الرجال))(3).
ومع هذه المسؤولية المشتركة فإن نصيب المرأة من إغواء الرجل أشد فينبغي أن يكون نصيب الرجل من الحذر أكبر قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني أسرائيل كانت في النساء))(4) ولعل المجتمعات الإنسانية توارثت هذا المعنى واتفقت على مرّ العصور أن فتنة النساء أخطر ما يتعرض له الرجل السالك إلى الله تعالى والذي قد يثبت أمام المغريات المتعددة والمتنوعة على قدر ما يتمتع به من قوة الإيمان ولكنه يضعف ويلين أمام فتنة النساء …
وهذا المعنى استغله بعض المنافقين ذريعة للتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فقال الله تعالى : {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}(التوبة : 49) .
والمحافظة على نظافة المجتمع ليست مجرد ضرورة أخلاقية أو عفة يتفاوت الناس في إدراكها والرغبة فيها وفي الإلتزام بها …بل هي ركيزة أساسية للمحافظة على الذات، وإضاعتها لها ما بعدها، ولذلك يحرص أعداء الأمة على تمييع المجتمع بإزالة قيمة العفاف والطهر فيصبح قابلاً للخنوع والخضوع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)).
إن هذا الحديث يبيِّـن أن المرأة التي تعرض فتنتها من أي موقع وتفتن الرجال والشباب، هي وسيلة -من حيث تعلم أو لا تعلم ومن حيث تريد أو لا تريد – للإفساد وأداة من أدوات المفسدين والمستبدين.
إن هذه الصورة التي عرضها الحديث الشريف لامرأة تتمتع بالمنصب الاجتماعي المحترم وتتمتع بالجمال تمثل الذروة في الفتنة ودونها محطات من الفتنة ذكر القرآن الكريم عدداً منها ونهى عنها جميعاً، من هذه المحطات :
. قوله تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}(النور : 31).
. قوله تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا}(الأحزاب : 32).
- قوله تعالى: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}(الأحزاب : 59).
- قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}(النور : 31).
. قوله تعالى : {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى}( الأحزاب : 33).
- قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}(النور : 31).
ونصوص أخرى كثيرة تدور حول هذا المعنى …فإذا كان خضوع المرأة بالقول وضربها بالأرجل للإعلام بوجود زينة خفية وغير ذلك مما يقع من المرأة وسواء كانت امرأة شريفة أو وضيعة ، جميلة أو دميمة .. إذا كان هذا كله ممنوعاً شرعاً لما يمكن أن يترتب عليه من العلاقات المحرمة فكيف يكون حكم امرأة تتمتع بالمنصب والجمال وتدعو الرجل إلى نفسها؟
إن هذا النموذج من النساء قليل ولكنه موجود وإن الرجال الذين يثبتون في مثل هذه المواقف قليل ولكنهم موجودون …فهي قمة في الفتنة فتستحق عقوبة أشد من عقوبة الكاسيات العاريات المائلات المميلات اللائي لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها …والرجل هنا قمة في الثبات والصبر والخضوع لشرع الله تعالى فهو يستحق من الثواب ما ذكر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم… ذلك بأن المرأة في الغالب لا تزيد على أن تعرض فتنتها ليرغب فيها الرجال وفي الغالب ما يكون الرجل هو الذي يطلب المرأة وقد تتمنّـع وهي راغبة وقد تستجيب المرأة ، بل وقد تعرض نفسها على الرجال لقلة من يرغب فيها ، وقد تتوسل بذلك كله إلى هدف آخر تروم تحقيقه عن طريق ذلك الرجل .
لو أن رجلاً يتمتع بالمنصب والجمال دعا امرأة إلى نفسه فأغراها ، وامتنعت من ذلك، وقالت: إني أخاف الله، فإنها تدخل في السبعة الذين يكونون في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله . فالقرآن الكريم وجّه الأمر بالعفاف والطهر والحياء للرجال وللنساء فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((من ضمن لي ما بين رجليه وما بين لحييه ضمنت له الجنة)) أي أن النبي صلى الله عليه وسلم كفيل بالجنة لمن حفظ فرجه ولسانه سواء كان ذكراً أو أنثى .
إن المرأة التي تتمتع بالمنصب وبالجمال تكون مرغوباً فيها ، حتى إن أكثر الناس لا يجرؤ أن يطمع فيها لأنه يراها بعيدة المنال ، فإذا طلبت هي أحداً إلى نفسها فلا يتصور أن يرد طلبها لأن قوله صلى الله عليه وسلم : ((… ذات منصب وجمال…)) يشمل الترغيب والترهيب فهي امرأة مرغوب فيها بالطبع البشري وهي في ذات الوقت مهابة الجانب ..في قصة يوسف \، وهو أول من يتبادر إلى الذهن عند ذكر هذا الحديث نجد امرأة العزيز بجمالها ومنصبها ما كانت تخاف من زوجها عزيز مصر، ولا كان هو يعير اهتماماً كبيراً لقيمة العفة بدليل أنه عندما فُهم من قميصه أنها هي من طلبته قال لهما العزيز : {يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين}(يوسف : 29) ولا هي كانت تحرص على حياء ولا كانت تخاف من أحد بحيث قالت للنسوة : {فذلكنّ الذي لمتنّني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم}(يوسف : 32) وهددته بالسجنوالعقوبات ، ومنصبها يتيح لها ذلك : {ولئن لم يفعل ما آمره ليسجننّ وليكوناً من الصاغرين}(يوسف : 32).
إن الذي يرد هذه المرأة رغم منصبها وجمالها وإقبالها، جدير بأن يكون نموذجاً للصلاح لأنه بشدة تمسكه بالشرع يرفض ما تشتد الرغبة إليه بالطبع.
إن زينة الإيمان في القلب ومحبته عصمت الرجل من فتنة المرأة وجمالها ومنصبها، كما أن كراهيته للمعصية حالت بينه وبين السقوط في الفتنة قال تعالى : {ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان}(الحجرات : 7)، ومن هذه الزاوية يمكن أن ننظر إلى موقف يوسف عليه السلام مع جميلة مصر قال تعالى : {وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون}(يوسف : 23).
والرجوع إلى الحق في مثل هذه المواقف قد يكون من المرأة ومن الرجل إذا ذكّر أحدهما الآخر كما جاء في حديث المعذبين(5) عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم… قال الآخر اللهم إنه كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلي وفي رواية: كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت، حتى إذا قدرت عليها وفي رواية فلما قعدت بين رجليها قالت اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فانصرفت عنها وهى أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه…))(6).
وذكر الرجل في الحديث جاء من باب أن المذكر يدل على الجنسين كما هو الأمر بالنسبة للأصناف التي سبقت ولكن أيضاً من باب أن المرأة إذا توافرت لها الأسباب المأمونة للوقوع في الفاحشة فإنها قد تحاذر أموراً أخرى.. والفضيحة بالنسبة إليها أشد، أما الرجل إذا توافرت له هذه الأسباب فإنه لا يمنعه من الوقوع فيها إلا الخوف من الله تعالى …
إن كلمة : ((إني أخاف الله)) كثير قائلوها وقليل من يقدم الدليل عليها. ووضع المؤمن -ذكراً أو أنثى- أمام هذه الفتنة وقوله لهذه الكلمة في هذه الظروف آية صادقة على صدقه قال تعالى : {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى}(النازعات : 39).
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
———————
1- متفق عليه
2- رواه البخاري ومسلم في كتاب النكاح من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
3- متفق عليه من رواية أسامة بن زيد رضي الله عنه.
4- رواه الإمام مسلم في صحيحه من رواية أبي سعيد الخدري.
5- هو الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في قصة ثلاثة رجال ألجأهم الليل إلى غار فانحدرت صخرة فأغلقت عليهم الغار فقال أحدهم إنه لا ينجيكم ما أنتم فيه إلا أن تدعوا الله تعالى بأحب أعمالكم إليه الحديث.
6- متفق عليه.