د. أحمد سمير
ارتكب الرئيس مرسي الرئيس الشرعي عشرة أخطاء رئيسية أطاحت بحكمه وحكومته بعد عام مر بسرعة البرق في بلد أثقل كاهلها عبء الفساد والاستبداد، وكانت سببا رئيسا في الانقلاب العسكري في 3/7 الماضي ألا وهي كالتالي:
> الخطأ الأول أو (السبب الأول للانقلاب): بدأ مرسي حكمه بجولات خارجية تهدف إلى تحسين صورة مصر وحكومتها وتشجيع الاستثمار الأجنبي فبدأ بالصين ثم روسيا والبرازيل وباكستان وجنوب أفريقيا، ولم يذهب أو يعلن عن نيته زيارة أمريكا الدولة الأم الراعية لمصر منذ عهد السادات في إشارة واضحة لقرار مرسي الخروج من عباءة الهيمنة الأمريكية ورفض التبعية لأمريكا فيما يمثل استعداء حقيقيا لأمريكا نظرا لما تمثله مصر في معادلة المصالح الأمريكية في أفريقيا والشرق الأوسط والأدنى .
- هذا الخطأ كان كفيلا بلستعداء أمريكا واستنفار خوف إسرائيل.
> الخطأ الثاني أو(السبب الثاني للانقلاب): الموقف المصري من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في نوفمبر 2012 المسماة “حجارة السجيل” والذي تغير معادلة الصراع في المنطقة حين وقف مرسى على الفور مع الفلسطينيين، وقام بسحب السفير المصري من تل أبيب وإرسال رئيس وزرائه لقطاع غزة تعبيراً عن التضامن مما جعل الحكومة الإسرائيلية وافقت على مطالب المقاومة الفلسطينية كاملة، دون أي تغيير وهي وقف إطلاق النار وفتح المعابر في خطوة واحدة، ووافقت عليها كاملة؛. بروز مرسي كزعيم إسلامي قادر على إدارة أزمات الشرق الأوسط كما وصفته الصحافة الأمريكية.
- هذا الخطأ كان كفيلا لاستعداء إسرائيل ومن خلفها أمريكا.
> الخطأ الثالث أو (السبب الثالث للانقلاب): الإصرار على تنفيذ مشروع تنمية محور قناة السويس، والذي كان سيحقق إيرادات تصل إلى 100 مليار دولار سنويا بحلول عام 2022 م، ستنقل مصر إلى مصاف الدول المتقدمة اقتصادياً ويخلق ازدهارا اقتصاديا يعقبه بالطبع استقلال للقرار السياسي المصري، مما يشكل خطورة بالغة على مصالح أمريكا في المنطقة، وأيضا يحبط مخططات إسرائيل المستقبلية في احتلال سيناء، لأن المشروع يربط مصالح واستثمارات دول عظمي بالمحور وسيناء بالأساس فتدويل المحور من خلال ربطه بالمصالح العالمية حماية للجبهة الشرقية المصرية من الأطماع الإسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك ما ذكره المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي عن ثورة مصر في ندوة بجامعة كولومبيا الأمريكية بأن مشروع محور قناة السويس سيُصبح أكبر كارثة لاقتصاد الإمارات خاصة إمارة “دبي”، صاحبة الاقتصاد الخدمي الضعيف إنتاجيا، والذي تعتمد على الموانئ البحرية، حيث أن حقول النفط في الإمارات تتركز في إمارة “أبو ظبي”، و”دبي” هي أفقر الإمارات السبع في الموارد الطبيعية، فمشروع تطوير قناة السويس سيدمر هذه الإمارة اقتصادياً خلال 20 سنة من الآن.
هذا الخطأ كان كافيا لاستعداء أمريكا وإسرائيل والإمارات.
> الخطأ الرابع أو (السبب الرابع للانقلاب) : الشروع في إعمار سيناء التي تشغل مساحة 31% من مساحة مصر وإنهاء ملف العزلة والإهمال وربط سيناء بالوادي من خلال التنمية والتعمير وحماية الأمن القومي للبلاد، حيث خصص مرسي نحو 4.4 مليار جنيه في موازنة عام 2013 – 2014 وإصدار أمر إسناد بقيمة 2.5 مليار جنيه للقوات المسلحة لبدء مشروع التعمير، كما أصدر أمراً بإنشاء مدينة الفيروز المليونية لزيادة الكثافة السكانية في سيناء، وأيضا إنشاء جامعتين في الجنوب والشمال وإعطاء ميزات نسبية لجذب الطلاب وتنمية سيناء، مما يهدد بشكل مباشر الأمن القومي الإسرائيلي ويهدد طموحات التمدد الصهيونية في الفراغ العربي .
- هذا الخطأ كان كفيلا لاستعداء إسرائيل ومن خلفها أمريكا.
> الخطأ الخامس أو (السبب الخامس للانقلاب): تفكير مرسي في الاكتفاء الذاتي من القمح وشروعه في بناء صوامع جديدة وتشجيع الفلاحين لزراعة القمح والبحث عن خطط تنموية تحقق الاكتفاء الذاتي في غضون ثلاث سنوات وقبل نهاية فترة حكمه الأولي، وبما أن مصر تعتبر أكبر دولة مستوردة للقمح في العالم، وحيث أن القمح يُعد من الأسلحة الاستراتيجية التي تستخدمها الدول المتقدمة كسلاح سياسي للضغوط على الدول النامية التي تستورده ومنها مصر، حيث تستورد مصر حسب بورصة شيكاغو للحبوب وكذلك المجلس العالمي للحبوب حوالي 10 ملايين طن من القمح سنويا منذ عام 2009 تستأثر أمريكا بـ41.5 %، منها حتى السنوات الأخيرة، واسترليا 22.7، وأروبا 12.7% ثم كندا بنسبة 3.6%، فإن هذه الدول لن تسمح بأي حال من الأحوال أن تنجح مصر في تحقيق الاكتفاء الذاتي بعد أن أصبح جزءا كبيرا من اقتصادها قائما على زراعة وتصدير القمح إلى مصر بالإضافة إلى استخدام سلاح القمح الاستراتيجي كورقة ضغط سياسية لتحقيق مصالحها في المنطقة.
- هذا الخطأ كان كفيلا باستعداء أمريكا المورد الرئيسي والاتحاد الأروبي وإسرائيل
> الخطأ السادس أو (السبب السادس للانقلاب) : البدء في وضع آليات لتطوير منظومة التعليم المصرية وإلغاء دور مركز تطوير التعليم وخبرائه ومستشاريه الأمريكان ومحاولة بناء منظومة تعليم جديدة تتمحور حول بناء الإنسان المصري المسلم بشكل إيجابي ترتكز على القيم والأخلاق والتطور العلمي وملاءمة احتياجات الوطن وأيضا سوق العمل العصرية مما سيغير عقيدة وسلوك الشعب المصري ويجعله شعبا منتجا ايجابيا .
- هذا الخطأ كان كفيلا باستعداء أمريكا وإسرائيل
> الخطأ السابع أو (السبب السابع للانقلاب) : موقف محمد مرسي من القضية السورية، وقراراته إعفاء السوريين من رسوم تأشيرة الدخول إلى الأراضي المصرية ومعاملة الطلاب السوريين كالمصريين، وقطع العلاقات مع النظام السوري، وسحب طاقم السفارة المصرية في دمشق، وإغلاق مقر السفارة السورية بالقاهرة، كلها مواقف تعيد مصر لصدارة المشهد العربي والإسلامي مرة أخرى بعد سنوات من الانزواء والضعف، وخروج سافر عن القرار الأمريكي الذي اعتاد توزيع الأدوار التي يقررها هو على الحكومات في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى كل ذلك تنظيم مؤتمر “مؤتمر الأمة المصرية لدعم الثورة السورية” في حضور كوكبة من العلماء والدعاة والسياسيين والشخصيات العامة من ربوع العالم الإسلامي بشكل أسطوري يعيد القضية إلى بؤرة الاهتمام وينذر ببزوغ نجم جديد في سماء الأمة العربية والإسلامية ينحاز إلى حقوق الشعوب في تقرير مصيرها واختيار حكامها .
- هذا الخطأ كان كفيلا لاستعداء سوريا وحلفائها إيران وروسيا والصين وخلق مخاوف لدى أمريكا وإسرائيل.
> الخطأ الثامن أو (السبب الثامن للانقلاب) : التفكير في إعادة إخراج مشروع (Islamic G8 الدول الثماني الإسلامية الكبرى ) أو ممر التنمية الإسلامي وذلك من خلال العلاقات الاقتصادية والسياسية القوية مع تركيا وحكومتها وتبادل الخبرات والمشروعات وفتح الأسواق المصرية والتركية لبضاعة واستثمار البلدين، واتجاه كلا البلدين لصناعة ممر تنمية يربط بين تركيا ومصر وباكستان وماليزيا ويصنع وحدة اقتصادية عملاقة على غرار الدول الثماني الصناعية الكبرى مما يشكل خطرا عالميا على مصالح الدول الكبرى وإسرائيل في المنطقة .
- هذا الخطأ كان كفيلا باستعداء أمريكا وإسرائيل وأروبا وخلق مخاوف لدى الخليج العربي خاصة السعودية والكويت والبحرين من نجاح التجربة الثورية وخاصة النسخة الإسلامية منها في مصر وتركيا والذي قد يعصف بعروش ملوكهم .
> الخطأ التاسع أو (السبب التاسع للانقلاب): أخطأ مرسي حينما اهتم بالتنمية والإصلاح وأعتقد أنهما أولى وأهم من إرساء دعائم الحكم الرشيد وبسط سيطرته ونفوذه على مفاصل الدولة المصرية وأخطأ حينما لم يفطن إلى أن من لا يمتلك سيف المعز وذهبه لا يستطيع أن يقيم دولة فإهماله لإصلاح وتقويم أعمدة الحكم الأربعة الأساسية لقيام الدول وهي الجيش والشرطة والقضاء والإعلام وانشغاله بمشاريع التنمية والنهضة والعلاقات الخارجية لجذب الاستثمار وتحسين الحالة الداخلية كان سببا في الانقلاب عليه، حيث كانت الأعمدة الأربعة تبني دولة خارج نطاق سيطرته لتقضي على تجربته وتقوض أركان حكمه الهشة .
- هذا الخطأ كان كفيلا بفتح المجال للفلول والعسكر والمتربصين من الداخل لوأد الثورة المصرية والإجهاز على التجربة الإسلامية في مهدها.
> الخطأ العاشر أو (السبب العاشر للانقلاب): أخطأ مرسي لاستعجاله بناء النموذج الإسلامي دون مراعاة شروط التمكين المحلي والإقليمي والعالمي مما أدى إلى دخوله في صراع دولي خارجي وداخلي كان كفيلا بوأد مشروعه ونسفه من جذوره وتقويض أركان حكمه ..
- هذا الخطأ كان كافيا لتشويه النموذج وإشاعة فشله من قبل بدايته من خلال الإعلام والفلول.
كل هذه الأخطاء سالفة الذكر كانت السبب في خلق تحالف دولي ضد تجربة د. مرسي الوليدة والتآمر عليها لإفشالها في ظل انشغاله بما هو أقل أولوية، فكان ما كان من الانقلاب العسكري برعاية أمريكا وإسرائيل وبتمويل دول الخليج خاصة السعودية والكويت والإمارات وبمباركة المجتمع الدولي . إنها أخطاء ترجع إلى عدم التنبه إلى المبادئ الأساسية لبناء الدول ألا وهي تنقية أعمدة الحكم الأربعة من سموم النخبة التاريخية المحنطة والانشغال بالتنمية والإصلاح مع الثقة في يقظة الشعب وضمير المعارضة ووطنية الجيش.